يقدّر أحد المسؤولين الأمنيين الميزانية الشهرية لريفي بـ 300 ألف دولار
ففي وقت كان فيه دحلان يرأس جهاز الأمن القومي الفلسطيني، كان ريفي يرأس جهاز الأمن القومي اللبناني. وفي وقت كانت فصائل المقاومة الفلسطينية فيه تشيع أخباراً عن علاقات مشبوهة للجهاز الفلسطيني، كانت قوى 8 آذار تشيع أخباراً مماثلة عن الجهاز اللبناني أيام ريفي. وفيما كان دحلان يربط جهازه بأجهزة الأمن الأميركية، كان ريفي يشرّع مديريته للأميركيين. وبعيد تقاعدهما بقليل، فُصل الرجلان بالشكل نفسه من حركة فتح وتيار المستقبل. وأثبتا، بالطريقة نفسها، حضورهما الشعبي في أول استحقاق انتخابيّ خاضاه. وكما هاجمت حركة فتح دحلان بملفات فساد كثيرة، حاول تيار المستقبل تحريك ملفات عدة لوزيره المتمرد عن سرقة المازوت وتضخيم الفواتير وغيره. وإذا كان ريفي قد تفوق على دحلان في انتزاعه وزارة العدل، إلا أن الأخير يحمل وساماً لا يمكن ريفي أن يحصل عليه البتة، ويتمثل بقول الرئيس الأميركي السابق جورج بوش إن "دحلان رجلنا"، إضافة إلى سيل من الإشادات الإسرائيلية.
من يتابع المقابلات التلفزيونية لدحلان وريفي يلاحظ أنهما يتحدثان بالطريقة نفسها تماماً عن كونهما الزعيمين الحقيقيين لحركة فتح وتيار المستقبل، وعن افتقاد كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس سعد الحريري الشرعية الشعبية. ومن يسمع دحلان يتحدث عن عدائه لإسرائيل سيفاجأ بالطريقة نفسها التي يفاجأ فيها من يسمع ريفي يتحدث عن الاغتيالات السياسية في وقت كان هو مديرا عاما لقوى الأمن الداخلي عند حصولها ولم يستقل رغم فشله في إيقافها أو كشف منفذيها. إلا أن التقاطع الأهم بين الرجلين، بحسب المصدر الأمني، يكمن في طريقة التمويل. فدحلان يقيم في الإمارات العربية المتحدة التي يغمر أثرياؤها ريفي بعطفهم حين يرسلون له المساعدات لتوزيعها على المحتاجين. ورغم ما يشاع عن أدوار دحلان في كل مكان، بما في ذلك محاولة الانقلاب التركي الفاشلة، فإن أحداً لا يعلم من يقف حقيقة خلفه، وخصوصاً أن الإمارات العربية لا تعد من ضمن الدول التي تسعى لأداء دور إقليمي أكبر منها، أو التدخل في الشؤون المصرية والفلسطينية والتركية واللبنانية. وكان الدائرون في فلك دحلان قد بلغوا في إعجابهم بريفي حد رفع لافتات تأييد له غداة استقالته، حتى في الأشرفية. ومن يدقق في خارطة المصارف والأعمال، يلاحظ أن المقربين من ريفي والمحسوبين عليه بدأوا يحظون بوظائف متقدمة في شركات كبيرة لمديريها علاقة وطيدة مع السفارة الأميركية في بيروت. لكن رغم هذا كله، لا يمكن القول إن ثمة تنسيقاً مباشراً أو حتى ممولاً واحداً يجمع الرجلين. إلا أن هناك مسيرة أمنية مشتركة وأسلوب عمل واحداً وتشابهاً كبيراً في الخطاب السياسي وطريقة التعبير. وهو ما يسهم في التأكيد أن ريفي ليس منعزلاً أو وحيداً في ما يفعله، إنما هو جزء من فريق يترقّب قرار الإدارة الأميركية تغيير أدواتها في المنطقة، على حدّ قول أحد السفراء الأوروبيين في مجلس خاص قبل بضعة أيام.
من يعرف ريفي جيداً يعلم أنه لم يكن يوماً بالذكاء الذي يتبين من التدقيق في طريقة عمله في طرابلس وخارجها. فمن الصورة إلى الخطابات المتعددة التي تحتفظ بمقال لكل مقام وغيرها وملامسة غرائز جماهير متعددة لا غريزة جماهيرية واحدة، يبدو واضحاً أن هناك مطبخاً يدير الأمور بذكاء، لا مجرد انفعالات سياسية وفشّات خلق هنا وهناك.
وسواء كان دحلان هو رئيس "الحزب" في المنطقة أو غيره، فلا شك أن عودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة من شأنها إعادة ريفي إلى النقطة الصفر. وكل ما يقوله ويفعله وزير العدل المستقيل اليوم لا يمكن وضعه إلا في خانة الخشية من تداعيات هذه العودة. ففي غياب رئيس الحكومة السابق، نجح ريفي في التوسع إعلامياً وخدماتياً وبات أكثر من مجرد موظف مستقبليّ. إلا أن عودة الحريري مع قراره بتحجيم ريفي وإقفال كل المزاريب الخدماتية المخصصة له وسحب بساط القوى الأمنية من تحته سيضع وزير العدل أمام واقع صعب، ولا سيما أن الحريري يتحالف مع الرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق فيصل كرامي. ولا بد بالتالي أن تكون حال ريفي هذه الأيام من حال دحلان منذ بضعة أشهر، وإطاحة الحلول أمر مصيريّ بالنسبة إليه. من هنا، يقول أحد المسؤولين الأمنيين إن مقابلته التلفزيونية الأخيرة لم تكن إلا بروفة لتصعيد كبير مقبل يضطر ريفي إلى وضع كل أوراقه على الطاولة من أجل أن يسمح الحريري بعودته إلى بيت الطاعة.