سنذهب إلى بعلبك!

  • 0
  • ض
  • ض

الليلة افتتاح «مهرجانات بعلبك الدوليّة»، مع عمل استثنائي لفرقة «كركلا»، يأخذنا فيه عبد الحليم كركلا، ابن بعلبك البار، ووريثه إيفان، وكل المجموعة، في رحلة غنية ومشوّقة تحت راية الانفتاح والحضارة. بعلبك، أعرق مواعيد الصيف اللبنانيّة، ارتبط اسمها وسجلها الذهبي بالذاكرة الوطنيّة منذ الاستقلال.

نعم زلفا شمعون ومي عريضة وكل الصور الشيك التي كنا نتفرّج عليها في المجلات الترفيهيّة، وفي «الأحداث» التي كنا نسمّيها «المناظر»، أي الشريط الوثائقي الإخباري الذي كان يسبق العرض في صالات سينما ترصّع عاصمة الحداثة والتنوير حينذاك. نعم «الذوات» والأكابر كانوا صنّاع هذه النهضة، لكنّ ضيوفهم المبدعين الكبار من لبنان والعالم، طبعوا الحركة الثقافيّة اللبنانيّة. نعم كانت الدوافع سياحيّة في الجمهوريّة الفتيّة التي تنظر إلى نفسها بصفتها جنّة الخدمات، و«همزة الوصل بين الشرق والغرب». النظرة باتت اليوم أقل سياحيّة وفولكلوريّة إلى لبنان، بل تصدمنا غالباً بفجاجتها… لكن ماذا عن اللحظات الخالدة مع فيروز والرحابنة؟ ماذا عن موريس بيجار وجيرزي غروتوفسكي والـ«ليفينغ ثياتر» مع جوليان باك وجوديث مالينا و«مجنون ليلى» حسب أراغون…؟ وتطول قائمة الأعمال التي استضافتها بعلبك على مرّ العقود، وتركت بصماتها على الناتج المحلّي في تلك السنوات الذهبيّة، وتحمل نفَساً حيويّاً إلى المختبر الإبداعي اللبناني. إن روّاد المسرح الكبار في لبنان، والشعراء والكتاب والتشكيليين، في أعمالهم منذ الستينيّات، شيء من بعلبك. حين جاء الراحل منير أبو دبس من باريس، «بعلبك» هي التي احتضنته وفتحت مدرسته الأولى، تحت جناح سيّداتها الأرستقراطيّات آنذاك. لم يعد المهرجان نخبويّاً منذ سنوات طويلة: كما هو مقصد «الأكابر»، صار بمتناول الشعب والمثقفين والطلاب، يقصدون المدينة بالباصات المريحة، في محطة هي جزء من رحلة المتعة الروحيّة والفكريّة والحسيّة التي تنتظرنا مع كل عرض جديد. نستحضر كل ذلك اليوم، إذ تطفئ «بعلبك» شمعاتها الستين. نستحضر الذاكرة، لنحمي الحاضر، وندافع عن إنجازات المستقبل. مدينة الشمس التي تحتضن أعرق المهرجانات اللبنانيّة، مكان رمزي على أكثر من صعيد، ثقافي، ووطني، وسياسي! وإذ تتمسّك لجنة المهرجانات الدوليّة ببرنامجها، فهي تعرف أنّها قلعة من قلاع التنوير، وحصن منيع بوجه الجراد الأسود وطيور الظلام وجحافل التكفير. أن نذهب اليوم إلى بعلبك، معناه أوّلاً أن ننتصر للفنّ على الهمجيّة، وأن ندافع عن الثقافة والتنوير ضدّ لعنة الانحطاط التي تلاحق العرب بعد «الربيع» المزغول. أن نذهب إلى بعلبك هذه السنة، ونرتمي في أحضان برنامج دسم وغني وممتع، معناه التمسّك بصورة معيّنة عن لبنان. إنّه فعل أناني: البحث عن المتعة الشخصيّة. وفي الوقت نفسه فعل رمزي وطني جماعي: تحدي الجهل والظلاميّة.
يجب أن تنتصب بعلبك شامخة هذا الصيف كما عهدناها دائماً. ولكل منا دور في ذلك. الذهاب الى بعلبك بمثابة الاقتراع ضد الخوف والجهل والإرهاب. «مهرجانات بعلبك» تحتاج إلينا اليوم بقدر ما نحتاج إليها ويحتاج إليها لبنان. تريدنا أن نشهد لها، أن نقف معها، أن ندافع عن وجودها ونجاحها، في زمن الهمجيّة التي تكره الثقافة، وتعيق التقدّم، وتخرّب التراث الحضاري. سنذهب كثيرين هذا الصيف لنلبي النداء. بدءاً من كركلا الليلة وغداً. سنذهب الى مدينة المقاومة والصمود. الطريق سالكة وآمنة تحرسها الملائكة والعيون الساهرة. سنعانق «بعلبك» طوال هذا الصيف. لا يمكن أن نتركها وحيدة!

0 تعليق

التعليقات