ترسم الانتخابات البلدية في قضاء الكورة، مشهداً متمايزاً عن المشهد الذي عكسه الاستحقاق الانتخابي في مختلف الأقضية اللبنانية. فالتنافس والصراع السياسي في 36 بلدية في القضاء ذي الغالبية الأرثوذكسية، يطغى على التركيبة العائلية، التي لوّنت جزءاً كبيراً من الطابع المحلّي للانتخابات في بلدات جبل لبنان والبقاع والجنوب.

وبدا لافتاً، غياب «موضة المجتمع المدني» عن مشهد الترشيحات، في ظلّ انضواء الكورانيين بشكلٍ عام في انتماءات سياسية حزبية، لا تزال هي اللاعب الأقوى والعصب الأساس في عملية الفرز السياسي.

ومع أن الانتخابات البلدية والمحلية بشكل عام، ليست معياراً لموازين القوى في الانتخابات النيابية، إلّا أنه ليس خافياً أن القوى السياسية في الكورة تخوض الانتخابات البلدية، بعقلية التأسيس للانتخابات النيابية، بعد إعادة خلط الأوراق، الذي أحدثه ترشيح تيار المستقبل لرئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وترشيح القوات اللبنانية رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون.

في خلاصة عامّة، تنقسم خريطة التحالفات السياسية في بلدات القضاء الذي يتوسّط جغرافياً طرابلس والضنية والمنية والبترون وزغرتا وبشري، إلى تحالف ثابت بين الحزب السوري القومي الاجتماعي وتيار المردة من جهة، في مقابل تحالف القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، مع تداخل محدود في بعض البلدات، حيث يتحالف القوميون والعونيون في لوائح واحدة، ويتواجه القوميون والمردة في بلدة واحدة، هي عفصديق. بعدما كانت سمة التحالفات في القضاء في انتخابات 2010، تخضع لتقسيم 8 و14 آذار، حيث يتحالف القوميون والمردة والعونيون بوجه تحالف القوات ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري والنائب نقولا غصن كجزء من تيار المستقبل.

واليوم، يستحقّ مكاري لقب «الجوكر»، في ترجمة للسياسة التي يتبعها في تحالفاته الانتخابية في الكورة، عبر محاولة التوازن في العلاقة بين تحالفي «القومي ــ المردة» و«القوات ــ عون». ومع أن «دولة الرئيس»، يؤكد لـ«الأخبار» إنه يحيّد نفسه عن الانتخابات البلدية لأنها «وجعة راس»، وهو الذي عاد إلى لبنان من أميركا قبل أيام قليلة، يجزم أكثر من فاعل في «لعبة» البلديات في القضاء من 8 و14 آذار بأن مكاري «يتابع التفاصيل كلّها... وهاتفه لم يهدأ من أميركا إلى الكورة طوال فترة غيابه». لكنّ مكاري يرى أن «الانتخابات البلدية ونتائجها لا علاقة لها بالانتخابات النيابية، ولكل منها حسابات مختلفة»، من دون أن يحسم من الآن خريطة تحالفاته النيابية.

بالنسبة للقوات اللبنانية، التي فازت بنيابة النائب فادي كرم في الانتخابات الفرعية الأخيرة على مرشّح القومي وليد عازار، بعد وفاة النائب فريد حبيب، فإنها في «السنوات الماضية قدّمت الكثير من الإنماء في الكورة، بما تتجاوز قيمته المليون دولار عبر الدعم من سفارات لتأمين مولدات كهرباء وسيارات إطفاء وحدائق عامة، ومن الطبيعي أن ينعكس الأمر في الاستثمار السياسي»، على ما يقول كرم لـ«الأخبار». ويؤكّد أن «القوات اللبنانية لاعب أساسي في الكورة»، مشيراً إلى أن «ورقة إعلان النوايا مع التيار الوطني الحرّ تظهر بشكل كبير في التحالفات البلدية». وبحسب الطبيب النائب، فإن «الجفاء» مع مكاري الذي نتج من التباين في الآراء حول التشريع النيابي انتهى، و«العلاقة مع دولة الرئيس هي علاقة تحالف»، مؤكّداً أن «مكاري حليفنا الطبيعي في الانتخابات النيابية المقبلة، ونعمل مع التيار الوطني الحر لتذليل العقبات».

أما على مقلب القوميين، فيقسم منفّذ عام الكورة في القومي، جورج البرجي رؤية الحزب للانتخابات البلدية الحالية إلى شقّيّن. في الشق الأول، يرى القوميون أن «المعركة البلدية هي معركة إنماء بالدرجة الأولى لتقديم الأفضل والأكفأ لقضاء الكورة، وفرصة لبعث التجدّد والحياة في جسم الإدارات المحليّة للبلدات». وفي السياسة، يؤكد البرجي أن «الكورة هي عرين الحزب السوري القومي الاجتماعي، والحزب سيثبت قوته وحضوره في هذه الانتخابات». يضيف: «نسمع البعض يتحدّث عن اختصار الشارع المسيحي، وهذا ليس صحيحاً، فنحن قوة موجودة في كلّ النسيج الاجتماعي اللبناني، وفي الكورة نحن القوة الأولى، ووجودنا يعطي الكورة وجهها العلماني الحقيقي. والقضاء تاريخياً هو حجر عثرة أمام مشاريع التقسيم والكانتونات، وسيبقى كذلك». وليس بعيداً عن خطاب القوميين وانتقادهم الحديث عن «اختصار الشارع المسيحي»، يؤكّد القيادي في المردة رامي لطّوف، أنه «صار واضحاً محاولات القوات والتيار عكس التحالف هنا في الكورة للاستمرار بالقول إن التحالف يختصر القوى المسيحية، ونحن بدورنا نتحالف مع القوميين بتحالف ثابت، ولنا حضورنا ترشيحاً وانتخاباً في غالبية بلدات الكورة». أما بالنسبة لعلاقة المردة بمكاري، فيقول لطوّف: «لم يعد مكاري خصماً، لكنه لم يصبح حليفاً».




أميون: الشيوعيون «يناكفون» القوميين


لا يراود الشكّ القوميين بأن «لائحة أميون» المدعومة منهم ومن تيار المردة، برئاسة المرشّح مالك مالك، هي اللائحة الفائزة. في مقابل لائحة القومي المكتملة من 15 عضواً، تشكّلت لائحة من 12 عضواً، على رأسها رئيس البلدية الحالي غسان كرم مدعومة من منظمة الحزب الشيوعي اللبناني في البلدة. كرم، الذي خاض الانتخابات البلدية الماضية في 2010 على لائحة القومي، يقول لـ«الأخبار» إنه «كان يرغب في البقاء رئيساً، لكن بعض المسؤولين في الحزب لم يعودوا يريدونني لأسباب شخصية خاصة بهم». وينفي كرم أن يكون قد تلقى أي دعم من القوات اللبنانية: «يقولون إن القوات تدعمني، وأنا هاجمت مرات عديدة قريبي فادي كرم بسبب الحزب القومي». بدورهم، يمتعض الشيوعيون من العرض الذي قّدمه لهم القوميون بالحصول على مقعدين مقابل الدخول في التحالف، فرفضوا، وقرّروا بدل ذلك خوض المعركة إلى جانب كرم. ويقول فادي النبوت عضو المكتب السياسي في الشيوعي لـ«الأخبار» إن الحزب الأحمر «يخوض المعركة للتغيير في وجه اللائحة التي ركّبها القوميون ويريدون فرضها علينا». غير أن النبّوت لا ينفي أن الشيوعيين في البلدة التقوا بالنائب فادي كرم للبحث في الانتخابات البلدية في أميون، قائلاً: «التقينا مع كرم، لكن لا قوة للقوات في أميون لتدعمنا، وكل ما طلبه كرم أن تأتي بلدية تتواصل معه». بدوره، يؤكّد النائب فادي كرم أن «من غير المنطقي أن نخوض معركة ضد الحزب القومي في أميون، أنا لست داعماً للائحة المقابلة، وعندما التقيت مع الشيوعيين نصحتهم بتشكيل لائحة من العائلات القريبة من 14 آذار، لكنني اعتبر وجود اللائحة أمرا جيّدا، فهناك من يقول لا لهيمنة الحزب القومي على أميون». بدورهم، يردّ القوميون على كلام منظمة الشيوعي، بالتأكيد أنه «منذ البداية حرصنا على ترك مكان للحزب الشيوعي والتوافق معهم لكنهم طالبوا بسبعة أعضاء ونائب رئيس، والآن لدينا على لائحتنا مرشّح شيوعي هو يعقوب زيدان». ويؤكّد المنفذ العام للقومي جورج البرجي أن «غسان كرم كان يفاوضنا قبل أيام لنأخذه معنا على اللائحة ويتخلى عن المرشحين الـ 11 الآخرين، وعرض علينا أخيراً بأنه لا مانع لديه لأن يكون رئيساً لسنة واحدة فقط». وبحسب مصادر اللائحتين، فإن من المتوقع أن يقترع نحو 2200 مقترع من أصل حوالي 7000 يحق لهم الاقتراع. ويترك القوميون هامشاً لاحتمال أن يخرق غسان كرم اللائحة بشخصه، لأن «البعض في البلدة قد ينتخبه لوحده بالإضافة إلى لائحتنا، بسبب الخدمات التي كان يقوم بها من أموال البلدية».