من المتوقع أن يتسلم رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، افيغدور ليبرمان، حقيبة الأمن في الحكومة الإسرائيلية، هذا الأسبوع. ولا يفصل هذا اليميني المتطرف، صاحب الدعوة إلى قطع رؤوس الفلسطينيين بالفؤوس، سوى إجراءات وتدابير تقنية، قبل تسلم المنصب.
وبرغم كل الضجة المثارة حوله، والسجال الحاد الذي عصف في إسرائيل في الأيام القليلة الماضية، منذ تسرب خبر تعيينه، فإنه من غير المتوقع، بل من المؤكد، ألا يعمد ليبرمان إلى قصف سد أسوان في مصر، أو قصف المنشآت النووية الإيرانية، أو اجتياح قطاع غزة، وكذلك لا يتوقع أن يبدأ قطع رؤوس الفلسطينيين وترحيلهم. فمن الطابق الرابع عشر، حيث مكتب وزير الأمن، سينظر ليبرمان إلى المشهد السياسي والأمني بعيون أخرى، وبأيدٍ مكبلة، مع تطلع نحو تحسين صورته داخليا وخارجيا.


مع ذلك، يفترض التمييز بين الحروب والمواجهات العسكرية، إضافة إلى الاعتداءات ذات التداعيات، وبين الإجراءات والمسائل التكتيكية، التي سيكون له دور كبير فيها. وتسلم ليبرمان منصبه الجديد، لا يعني أنه غدا، أو بعد غد، ستشن إسرائيل حربا هنا أو هناك، فهذا المستوى من القرارات، بعيد المنال عنه، حتى لو حاول ترجمة مواقفه المتطرفة إلى أفعال، وهو أمر يشَكك فيه.

لوزير الأمن قدرة على

التأثير لكنه واحد من ثلاثة

مقررين في الأمن


فقواعد الاشتباك مع حزب الله، وأيضا في الساحة السورية، وكذلك مع قطاع غزة، تحكمها معادلات قوة، وميزان القدرة الفعلية والكلفة والجدوى. نعم لوزير الأمن قدرة في التأثير، لكنه واحد من ثلاثة مقررين في ما يرتبط بالقرار الأمني، إضافة إلى رئيس الوزراء، ورئاسة أركان الجيش. وبنيامين نتنياهو له اليد الطولى، في منع أي قرار لا يصب، كما ترى المؤسسة الأمنية، في مصلحة إسرائيل، الأمر الذي يشير إلى أن هذا المستوى من القرارات، سيبقى يتحرك ضمن المعادلات القائمة، فيما يتوقع أن يكيف ليبرمان نفسه ومواقفه، مع هذا المسار.

نعم، على مستوى القرارات التكيتيكية، سيكون لليبرمان، في هذا المنصب، تأثير كبير جدا، أي إن الثمن الذي سيدفعه الفلسطينيون، تحديدا في المناطق المحتلة (الضفة) سيكون قاسيا ومؤلما، لأنه سيعمد إلى ترجمة تطرفه أفعالا وإجراءات تحدّ وتقيد الحريات وتذهب بعيدا في التضييق، مع استخدام كامل لصلاحياته، التي يمنحها القانون الإسرائيلي له في المناطق المحتلة، للتنكيل بهم.

بعبارة أخرى: الساحة الوحيدة التي يمكن لليبرمان أن يظهر للجمهور اليميني أنه لا يزال تحت مظلتهم المتطرفة، هي الساحة الفلسطينية الداخلية، مع تسهيل للمستوطنين أكثر، وتحريك ملف الاستيطان أكثر، وهضم الحقوق الفلسطينية... لا يعني ذلك أن السلف (موشيه يعلون) كان أفضل من الخلف، ولكن مستوى التضييق على الفلسطينيين سيزداد، مع عدم اهتمام كبير، كما كان يحدث في السابق، بالصورة والشكل التي تظهر فيها وتنفذ بها الإجراءات القمعية بحق الفلسطينيين.

وفي سياق تعيين ليبرمان وزيرا للأمن، تجدر الإشارة إلى ملاحظتين اثنتين، الأولى هي أن السجال الدائر في إسرائيل، بين مؤيد ومعارض لليبرمان، لا يشير إلى خشية من الآتي، أي أن يعمد إلى إدخال إسرائيل في مغامرة عسكرية غير محسوبة، أو نتيجة للخشية على فلسطينيي المناطق المحتلة من إجراءاته القمعية وتعسفه المقبلين. فالغالبية من الجمهور والسياسيين والإعلاميين، ممن أعربوا عن رفضهم للخطوة، ركزوا على طريقة أداء نتنياهو تجاه يعلون، والسياق الذي جرى إخراج التعيين فيه، وما أظهرته الخطوة من «سيرك»، كما قال أحد أعضاء الكنيست.

هذا يعني أن جوهر التركيز على رفض التعيين يأتي في سياق الاعتراض على نتنياهو نفسه، أكثر من كونه اعتراضا على تعيين ليبرمان، فقد ظهر الأول، بل أكد من جديد، أنه يضع على رأس سلم أولوياته، مصالحه الشخصية وبقاءه السياسي. حتى المعلق العسكري المتطرف في القناة الثانية العبرية، روني دانيئيل، الذي تردد صدى كلامه كثيرا في إسرائيل وخارجها، حول أنه «لم أعد متأكدا بعد هذا الأسبوع، أني أريد لأولادي مواصلة العيش في إسرائيل»، لم يكنّ اعتراضا، كما قال بلسانه، على تعيين ليبرمان، بل على «الثقافة السلطوية المهترئة»، في إشارة إلى نتنياهو.

أما الملاحظة الثانية، وهي ذات دلالة كبيرة، فتتعلق بتوجهات ليبرمان العملية لدى توليه حقيبة الأمن، وحول أفعاله المتوقع أن تكون متكيفة مع الواقع قياسا بمواقفه المتطرفة. فقد كان لافتا جدا، أن يعمد إلى رمي شروطه السابقة للانضمام إلى الحكومة بعرض الحائط، بل خالف كل تعهداته أمام ناخبيه، الذين اختاروه بناء على برنامج علماني لمواجهة المتدينين والقوانين الدينية. فوجئ الجميع في إسرائيل، بمن فيهم مفاوضوه من «الليكود،»بالثمن الضئيل الذي طالب به مقابل حقيبة الأمن، كما تعمد ألا يذكر المتدينين وأحزابهم وقوانيهم، وأن ينضم إلى جانبهم على طاولة الحكومة، مكتفيا بالحصول على عوائد رسوم التقاعد للمسنين من المهاجرين الروس، وهو الأمر الذي كان بإمكانه أن يحصل عليه، خارج الحكومة، في إطار مساعي نتنياهو لضمان تمرير الموازنة العامة.

في النهاية، ليبرمان هو كغيره من السياسيين الإسرائيليين، لكن مع تميز بتفوهات عنصرية ومتطرفة، يحاول «المعتدلون» من أقرانه، أن يبقوها غير معلنة. هذا هو الفرق. وللتذكير، فإن معظم حروب إسرائيل ومجازرها ضد العرب، شنها اليسار الإسرائيلي «المعتدل»، لا اليمين المتطرف.