منذ ثلاثة أسابيع، اعتدى مرافقون للنائب نديم الجميّل على طالب وعنصر أمن داخل حرم الجامعة الأميركية في بيروت. لم تتخذ الجامعة أي إجراء حتى اليوم لملاحقة المعتدين قضائياً وصيانة حرمة الجامعة والحريات فيها. يبدو أن مساراً انحدارياً تسير عليه إدارة الجامعة في هذا المجال، ففي هذا العام، مُنع أستاذ مناهض للاحتلال من تسلُّم منصب مرموق داخل الجامعة بقرار تعسفي صادر عن رئيس الجامعة. وفي العام الماضي استجابت الجامعة لطلب الأمن العام وقف عرض فيلم وثائقي. فهل باتت الجامعة الأميركية مستباحة لتدخلات من جهات سياسية وأمنية؟

الطالب عدنان مكرم، المعتدى عليه، أُدخل بعد الحادثة إلى قسم الطوارئ في المركز الطبي التابع للجامعة لتلقي العلاج، نتيجة جرح عميق في رأسه سبّبته ضربة بسلاح حربي.

"بدل ما يعلمونا مبادئ التفكير النقدي ويخلونا نؤمن بقدرتنا على التغيير، علمتني الجامعة الأميركية انو ضروري كون تابع لحدا يحميني". هذه الخلاصة هي التي توصل إليها عدنان، الذي أجابه أحد المسؤولين في الجامعة رداً على سؤاله عن تأخر الجامعة في اتخاذ أي إجراءات: "ما البلد كلو هيك". يلفت عدنان في حديث مع "الأخبار" إلى "استهتار" متعمد مارسته الجامعة بحقه، يشير إلى أن المركز الطبي التابع للجامعة لم يستدعِ طبيباً شرعياً يكشف عليه، وأصرّ القيّمون على المركز على إخراجه من المستشفى في أسرع وقت ممكن. كذلك لم يحضر عناصر قوى الأمن الداخلي لفتح محضر كما تجري العادة بعد أي إشكال كهذا، واكتفوا بالتحدث مع عدنان عبر هاتف المستشفى ليطلبوا منه الحضور إلى مخفر حبيش "إذا حبيت تفتح المحضر". بات عدنان على يقين أن الجامعة لن تتخذ أي خطوة قانونية من شأنها محاسبة المعتدين، لذا يدرس حالياً إمكانية رفع دعوى فردية بحق مرافقي الجميّل.

علمتني الجامعة

الأميركية انو ضروري كون

تابع لحدا يحميني


بلال، أحد زملاء عدنان، يجد في ما حصل "استهتاراً غير مقبول من قبل إدارة الجامعة المسؤولة المباشرة عن حماية الطلاب، فمن المرعب أن نرى إدارة جامعتنا خائفة من رفع دعوى قضائية ضد مرافقين محسوبين على رجل سياسي". طالب آخر يقول إن الجامعة "خدعت مكرم وتسعى للملمة الموضوع من خلال بيانات ومواقف فارغة".

بالفعل، لم تفعل إدارة الجامعة حتى الآن شيئاً، ولم تسعَ إلى أي إجراء قانوني بحق المعتدين، كذلك فإنها تتهرب من أي سؤال يُطرح في هذا الصدد. يقول سيمون كشر، مدير الأخبار والعلاقات الإعلامية في الجامعة، في اتصال مع "الأخبار"، أن لا جديد على موقف الجامعة الصادر عن رئيسها في اليوم الذي تلا الحادثة. حينها أدان رئيس الجامعة فضلو خوري «أعمال الغضب والعنف التي وقعت في الحرم الجامعي وخارجه»، معلناً أن الجامعة ستتخذ كل الخطوات اللازمة «لمعرفة الحقائق المحيطة بهذا الحادث المزعج، وستتخذ التدابير المناسبة ما إن يكتمل التحقيق».

بعيداً عن دلالات تعابير مثل "الغضب" و"الحادث المزعج"، أي حقائق تريد إدارة الجامعة معرفتها؟ الفيديوهات وثّقت ما حصل، فضلاً عن شهادات عدّة، منها شهادة كل من الطالب مكرم عدنان وعنصر الأمن العامل في الجامعة. لكن يبدو أن إدارة الجامعة تريد مسايرة المعتدين وتفادي الإجراءات التي من شأنها محاسبتهم. علماً أن الطالب عدنان وزملاءه سبق أن تلقوا وعداً من عميد شؤون الطلاب طلال نظام الدين، في اليوم الذي تلا الحادثة، بأن هناك إجراءات قانونية قيد الإعداد لمحاسبة المعتدين، الذين وصفهم نظام الدين بـ "الهمج".

مطلع هذا الأسبوع أصدرت رئاسة الجامعة بياناً جديداً يشبه البيان السابق: لا تحميل مسؤولية لأي جهة، لا توجد أي إشارة للانتهاك الذي تعرضت له الجامعة، والأهم أنه يؤكد نية الإدارة الفعلية بلملمة القضية. هذا البيان يتحدث عن لقاءات تعقدها إدارة الجامعة مع قادة الأجهزة الأمنية بهدف السعي إلى تخفيف عدد المرافقين الأمنيين التابعين لشخصيات سياسية، بهدف وضع حد لأي "توتر" قد ينجم عن ذلك، على اعتبار أن سبب الإشكال الذي حصل هو "توتر" نتج من كثرة المرافقين الأمنيين، وليس "اعتداءات" من أفراد رفضوا الخضوع لأنظمة الجامعة، التي تفرض ترك أسلحتهم خارج الحرم الجامعي.

"البرودة" لا تقتصر على إدارة الجامعة، بل أساتذتها وعدد من أندية الطلاب المعروفة بنشاطها دفاعاً عن الحقوق والحريات. لم يشأ النادي العلماني إصدار موقف، ولدى الاتصال بنائبة رئيس النادي جومانا تلحوق استمهلت حتى تتصل بأعضاء من النادي، على أن تعاود الاتصال لتصرّح باسم النادي، إلا أنها لم تعاود الاتصال ولم تردّ على اتصالات "الأخبار" اللاحقة، علماً أن النادي يُعَدّ من أنشط النوادي في مجال الحريات العامة وغيرها من الأمور.

النادي الاجتماعي، الذي استضاف النائب نديم الجميّل، استنكر رئيسه جان مارك عوض في اتصال مع "الأخبار" الحادثة، مشيراً إلى اتفاق مسبق عقدته إدارة الجامعة مع النائب الجميّل بعدم السماح للمرافقين بالدخول بسلاحهم، إلا أن الجميّل خالف هذا الاتفاق. وطالب عوض إدارة الجامعة ورئيسها باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لمنع تكرار مثل حوادث كهذا.

نادي السنديانة الحمرا يرى أن الجامعة تعطي أولوية لبناء علاقات جيدة مع "النخب السياسية الطائفية على حساب مصلحة الطلاب"، وفق رئيسة النادي تيريزا صهيون، التي اعتبرت أن "تقاعس الجامعة عن اتخاذ إجراءات في قضية مكرم وغيرها من القضايا يهدد وجودنا كطلاب".

من جهتها، استنكرت الحكومة الطلابية الاعتداء على طالب وموظف داخل حرم الجامعة، وصرّح رئيس الحكومة الطلابية منذر حموي بأنهم سيتابعون القضية مع إدارة الجامعة "لمنع تكرار هذه الحادثة ومحاسبة المسؤولين عنها".

على صعيد الأساتذة، لم يصدر عن أي أستاذ أو جهة أكاديمية داخل الجامعة أي بيان يستنكر فيه الحادثة على الأقل. مصدر أكاديمي من داخل الجامعة الأميركية لفت إلى أن صمت الأساتذة حيال ما يجري في كثير من القضايا سببه الخوف من أي ضرر قد يلحق بتقويم ملفاتهم (لناحية الترقيات وتصنيفات الأساتذة وغيرها من المسائل الجارية حالياً). يكتفي شارل حرب من اتحاد الأساتذة في الجامعة الأميركية بالإشارة إلى أن "الاتحاد يتابع القضية وينتظر نتائج التحقيقات المفترض بالجامعة أن تعلنها لتصدر بعدها الموقف اللازم".