لم يدرج مشروع قانون الانتخابات النيابية للعام 2013، الذي تقدّم به وزير الداخلية والبلديات مروان شربل على جدول أعمال مجلس الوزراء لمناقشته بعد. ولا يمكن الجزم أنّه سيعتمد في الانتخابات المقبلة. إلا أنّ قراءة متأنية له، ومحاولة تطبيقه، تكشف عدداً من الثغر، يعنينا منها في ما يلي أمر أساسي هو التناقض في آلياته الذي يظهر في فرض ترتيب اللوائح من جهة، وفي كوتا الجنسين، من جهة ثانية.
يقوم المشروع الحالي على النظام النسبي، وتنقسم النسبية باللوائح إلى أربع صيغ تفصيلية هي: النسبية باللوائح المقفلة، النسبية باللوائح نصف المقفلة أو نصف المفتوحة، النسبية باللوائح المفتوحة، النسبية باللوائح الحرة.
الصيغة المقترحة في مشروع القانون تمزج بين اللوائح المفتوحة ونصف المفتوحة. إذ أتاحت المادة 97 للناخب أن يقترع للائحة بدون التفضيل:
1- لكلّ ناخب أن يقترع للائحة واحدة من بين اللوائح المتنافسة، ويحق له الاقتراع بصوتين تفضيليين لمرشحين من ضمن اللائحة التي يكون قد اختارها.
2- إذا لم يقترع الناخب بالصوتين التفضيليين يبقى اقتراعه صحيحاً، وتحتسب فقط اللائحة، وإذا أدلى بصوت تفضيلي واحد فقط يحتسب هذا الصوت. أما إذا أدلى بأكثر من صوتين تفضيليين ضمن اللائحة فلا يحتسب أي صوت تفضيلي وتحتسب اللائحة وحدها.
وفرضت المادة 52 من القانون ما يلي: «على الوزارة أن تحترم الترتيب التسلسلي للأسماء الواردة في اللوائح التي بموجبها انتظم المرشحون».
لكن المفاجأة تبرز عند الفرز، وتوزيع المقاعد على الفائزين، إذ حدّدت المادة 98 طريقة توزيع المقاعد كالآتي:
5- بعد تحديد عدد المقاعد الذي نالته كل لائحة مؤهلة، ترتب أسماء المرشحين في اللائحة الواحدة من الأعلى إلى الأدنى وفقاً لما ناله كل مرشح من أصوات تفضيلية.
6- يوزع المرشحون الفائزون في الدائرة بحسب الآلية الآتية: ترتب أسماء المرشحين في جميع اللوائح المؤهلة في قائمة واحدة من الأعلى إلى الأدنى، بحسب ما ناله كلّ مرشح من أصوات تفضيلية. تجري عملية توزيع المقاعد على المرشحين الفائزين بدءاً برأس القائمة الواحدة التي تضم جميع المرشحين في اللوائح، فيعطى المقعد الأول للمرشح الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات التفضيلية ويمنح المقعد الثاني للمرشح صاحب المرتبة الثانية في القائمة، وذلك لأي لائحة انتمى، وهكذا بالنسبة إلى المقعد الثالث حتى توزيع كل مقاعد الدائرة للمرشحين المنتمين لباقي اللوائح المؤهلة.
ويعني ذلك عملياً أنّ ترتيب الأسماء الذي فرضته المادة 52 لم يؤخذ بالحساب عند احتساب الاصوات، كما في الصيغة النسبية نصف المفتوحة التي ترى التصويت للائحة من دون أي صوت تفضيلي هو تصويت للائحة وللترتيب الذي اختاره أعضاء اللائحة.
مثال: فلنأخذ دائرة عدد المقترعين فيها يصل إلى 100.000، ويتنافس المرشحون فيها على خمسة مقاعد. وقد ترشحت تسع لوائح إلى تلك الدائرة. حصلت اللائحة «أ» على عشرين ألف صوت وفازت بمقعدين، لكن مع مفارقة، أنّ هناك 19998 صوتوا للائحة بدون تفضيل، وصوّت اثنان فقط مع صوت تفضيلي لكل من الاسمين الأخيرين في اللائحة. يعني ذلك أنّ المرشحين الاثنين اللذين في أسفل اللائحة هما من سيفوزان. ما يعني أيضاً أنّ الترتيب الذي اختاره 19998 مقترعاً وحدّده الحزب أو مجموعة المرشحين على اللائحة سقط أمام صوتين تفضيليين.
وتصحيحاً لذلك الأمر، نقترح الآتي: إذا رغب المشرّع في احترام الترتيب جزئياً، يجب عند احتساب الأصوات، اعتبار التصويت للائحة بدون تفضيل تصويتاً للترتيب الوارد أصلاً في اللائحة. التصويت التفضيلي يعني نقل الاسم الذي تمّ تفضيله إلى أعلى اللائحة، والإبقاء على الترتيب الأساس فيصبح الاسم المفضل الأول، والأول بحسب الترتيب الأساس ثانياً، والثاني ثالثاً، وهكذا دواليك. أما إذا رغب المشرّع باعتبار رأي الناخبين فقط، فلا ضرورة لترتيب الأسماء بحسب رغبة المرشحين، بل يجب ترتيبهم ألفبائياً.
الخدعة الجندرية
الأمر الثاني الذي لا يقل أهمية، هو ما نسميه «الخدعة الجندرية» مجدداً. صحيح أنّ المشروع المقترح يحقق تقدماً نوعياً بخصوص النساء، إذ إنّه يفرض في المادة 53 نسبة 30% من النساء حدّاً أدنى في الترشيح، إذ: «يجب على كل لائحة ان تضم بين أعضائها نسبة لا تقلّ عن 30% من الجنس الآخر على أن تدوّر الكسور التي تعادل أو تتجاوز النصف». لكن، تكمن الخدعة في المادة نفسها، التي تضيف: «وتعتمد لائحة مرقطة بحيث يدرج فيها بنحو متتابع اسم مرشح من جنس معين ثم حكماً اسم مرشح من الجنس الآخر».
أولاً، ومن باب التوضيح، لا يمكن ترتيب جميع الأسماء بالترتيب المفروض إلّا إذا كانت المقاعد موزّعة مناصفة وإلّا فليعتمد هذا الترتيب بحسب الإمكانية المتاحة.
ثانياً: لا قيمة بتاتاً لهذا الترتيب لأنّ لا مفعول له سوى خدعة النساء والرأي العام، فهو لن يعتدّ به عند توزيع المقاعد. فما الجدوى من كلّ ذلك الجهد وقد ألغت المادة 98 مفاعيل هذا الترتيب في البند السادس منها إذ جاء فيها: «يتم توزيع المرشحين الفائزين في الدائرة بحسب الآلية الآتية: ترتب أسماء المرشحين في جميع اللوائح المؤهلة في قائمة واحدة من الأعلى إلى الأدنى، بحسب ما ناله كلّ مرشح من أصوات تفضيلية. تجري عملية توزيع المقاعد على المرشحين الفائزين بدءاً برأس القائمة الواحدة التي تضم جميع المرشحين في اللوائح، فيعطى المقعد الأول للمرشح الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات التفضيلية ويمنح المقعد الثاني للمرشح صاحب المرتبة الثانية في القائمة وذلك لأي لائحة انتمى، وهكذا بالنسبة إلى المقعد الثالث حتى توزيع كل مقاعد الدائرة للمرشحين المنتمين لباقي اللوائح المؤهلة». وتجاهلت كلياً نسبة الـ30% في البند السابع الذي يحدد الحصص الطائفية ويتجاهل حصة النساء:
7- يراعى في توزيع المقاعد على اللوائح الشرطان الآتيان: أن يكون المقعد شاغراً وفقاً للتوزيع الطائفي للمقاعد، إذ بعد اكتمال حصة مذهب ضمن الدائرة الواحدة يخرج حكماً من المنافسة باقي مرشحي هذا المذهب بعد أن يكون قد استوفى حصته من المقاعد. أن لا تكون اللائحة قد استوفت نصيبها المحدد من المقاعد، فإذا بلغت عملية التوزيع مرشحاً ينتمي إلى لائحة استوفت حصتها من المقاعد يتم تجاوز هذا المرشح إلى المرشح الذي يليه. في حال تعادل عدد الأصوات التفضيلية بين مرشحين، يتقدم في الترتيب المرشح الأكبر سناً، وإذا تساوت السن يلجأ إلى القرعة على يد لجنة القيد العليا. (وهنا تجب ملاحظة أن التوزيع طائفي وليس مذهبياً).
لذلك نقترح على المشرّع، إذا كان يرغب فعلياً باحترام نسبة 30% حدّاً أدنى من التمثيل لأحد الجنسين، أن يفرضها بالفوز وليس بالترشيح فقط، والالتفاف على الأمر لإخراج النساء عند توزيع المقاعد.
* مدير مكتب بيروت للإحصاء والتوثيق