«مش طالع بإيدنا شي، وما حدا عم يعطينا معلومة واضحة ودقيقة. كل اللي فينا نعملو إنو ننتظر لحظة الفرج». بصوت يائس، يتحدث أحمد مشيك (عم المخطوف عباس مشيك)، وهو يستظل شجرة عند محلة عين الشعب بين بلدتي اللبوة وعرسال، وعيناه تكادان لا تفارقان الجرود الجرداء وزبد كساراتها الأبيض.
وحدهم أفراد من عائلتي المخطوفين مشيك وإيهاب الأطرش اختاروا التوجه إلى مشارف بلدة عرسال لمواكبة عملية التفاوض، في حين آثرت بقية عائلات العسكريين المخطوفين البقاء في ساحة رياض الصلح، بعد إبلاغهم بأن أبناءهم سينقلون بعد الإفراج عنهم مباشرة إلى السرايا الحكومية، ومن ثم إلى مستشفى الجامعة الأميركية.
لحظات التفاؤل باللقاء الموعود طالت. فمنذ الصباح الباكر، كان الأهالي ينتظرون الخبر السار بإنجاز عملية التفاوض والتسليم والتسلم، بعد توجه سيارات تابعة لجهاز الأمن العام إلى قيادة اللواء الثامن في بلدة اللبوة، ومنها إلى بلدة عرسال ونقطة الجيش اللبناني عند معبر وادي حميد. وما عزز التفاؤل توجه قافلة مساعدات إلى عرسال، ومنها إلى معبر وادي حميد عند أطراف البلدة، في خطوة اعتبرها البعض «بادرة حسن نية»، فيما البعض الآخر رأى فيها أحد بنود التفاوض بين «جبهة النصرة» والدولة اللبنانية.
مصادر أمنية:
الحجيري لا يزال
في عرسال
شاحنتان مقطورتان، وثالثة تنقل «كونتينر» مقفلاً، و8 سيارات من نوع بيك آب من نوع «هينو» مغطاة، وصلت الى ساحة بلدة اللبوة عند التاسعة والنصف صباحاً، وتوجهت إلى وادي حميد في عرسال، وسط انتشار أمني كثيف للجيش وعناصر الأمن العام في ساحة اللبوة والطريق المؤدية إلى عرسال. كمّ هائل من المعلومات والشائعات التي ترددت على مسامع أهالي العسكريين من وسائل الإعلام، ومع كل خبر كانوا يسارعون إلى الاستيضاح عن مدى صحته، في وقت فرضت فيه الأجهزة الأمنية تكتماً شديداً حول ظروف التفاوض وشروط التسليم وما يحصل في عرسال وجرودها.
في عرسال، استشعر أهلها بأن أمراً ما يتم تهيئته للإفراج عن العسكريين، بعد إقفال الجيش معبري وادي حميد والمصيدة أمام حركة العبور منذ ليل السبت، والاستمرار في إقفاله طيلة يوم أمس حتى أمام أبناء البلدة. استفاقت البلدة على حركة أمنية وآليات عسكرية للجيش والأمن العام تعبر البلدة في اتجاه معبري المصيدة ووادي حميد، ومعلومات متضاربة عن مصطفى الحجيري (أبو طاقية) و»غيابه عن السمع»، و»انتقاله إلى مطار بيروت متوجهاً إلى تركيا»، وبأن «اتصالاً منه سيحدد ساعة الصفر لإطلاق العسكريين المخطوفين». وفيما قال عدد من أبناء عرسال إن «أبو طاقية» أقدم «منذ ثلاثة أيام على تصفية عدد من أعماله وبيع محتويات محله للهواتف الخلوية في البلدة، من دون معرفة مكانه»، أكدت مصادر أمنية لـ«الأخبار» أنّ الحجيري لا يزال في منزله وأنه لا توجّه لديه لمغادرة عرسال، علماً بأنّ هاتفه مغلق منذ أيام.
ملامح تعثر عملية التفاوض وإطلاق العسكريين لاحت بعد مغادرة موكب سيارات الأمن العام معبر وادي حميد باتجاه اللبوة، ثم تبعته قافلة المساعدات التي لم تفرغ حمولتها. المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار» من مصادر مطلعة أشارت الى تعثّر العملية بعد محاولة «جبهة النصرة»، «تحصيل المزيد من المكاسب في اللحظات الأخيرة لعملية التفاوض، وتحسين شروطها بشكل أفضل بإضافة شرط جديد على البنود المتفق عليها». وأشارت إلى أن الشرط الجديد، الذي لم يعرف مضمونه، «يحتاج إلى درسه من قبل الدولة للموافقة عليه أو رفضه»، الأمر الذي يرجح فرضية «تأجيل العملية إلى يوم آخر».
وعلمت «الأخبار» أن شروط التفاوض التي تم الاتفاق عليها بين الدولة و»النصرة» والقطريين تقضي بإطلاق 16 عسكرياً وجثة الشهيد محمد حمية، مقابل 25 شخصاً بينهم أطفال ونساء. وضمن الشروط «تأمين ممر آمن للجرحى من جرود عرسال إلى البلدة، والإفراج عن 8 سجناء إسلاميين وخمس سجينات، إضافة إلى عائلتين سوريتين وصلت إحداهما من دمشق إلى لبنان، وينتظر أن تنتقل الثانية إلى منطقة تل منين في ريف دمشق»، وكذلك إطلاق عدد من السجناء من السجون السورية. وفيما لم تحدد الساعة الصفر لإنجاز العملية، اتفق على أن تكون جرود عرسال، خارج نطاق سيطرة الجيش، مكاناً للتبادل بحسب ما طلبت «النصرة»، كما تؤكد المصادر.
عائلتا العسكريين مشيك والأطرش عادتا مساء أمس تحصدان الخيبة بلقاء عباس وإيهاب وزملائهما. «في الله»، يردد أحمد مشيك على مسامع كل المتصلين به، يحدوه الأمل باللقاء في الساعات المقبلة.