عندما كان يرد ذكر توفيق طه في إطار أمن عين الحلوة، قبل العمليات الإرهابية في لبنان أو بعدها، كان بعض قادة المخيم يؤكدون أنه «زلمي آدمي وبحاله. من البيت إلى الجامع والعكس»، لكن الأمتار بين بيته في المنشية ومسجد النور حيث أقل بكثير من عدد المرات التي ورد فيها ذكره في إفادات الموقوفين أمام المحكمة العسكرية.
ما يزيد على مئة مرة، لفظ الفلسطيني بلال كايد (أبو عائشة ) اسم «الشيخ أبو محمد»، في استجوابه الأول أمس في ملف «الإنتماء إلى كتائب عبدالله عزام وألوية زياد الجراح وتنظيم القاعدة بهدف تنفيذ أعمال إرهابية وتجنيد أشخاص وتدريبهم على السلاح واستعمال وتصنيع المتفجرات ونقل صواريخ وإطلاقها لضرب الإستقرار...». منذ 2007 حتى 2013، عايش كايد (28 عاماً) طه في عين الحلوة الذي لجأ إليه من مخيم الرشيدية بعدما صار مطلوباً. كانت نية كايد الإنضواء في جماعة «جهادية تقاتل العدو الإسرائيلي». عرّفه صديقه سليم كايد على أسامة الشهابي. سريعاً، اكتشف أن «لا علاقة له بقتال العدو»، فتحوّل إلى طه ومحمد الدوخي (الملقب بخردق). استفاد من معرفته العلمية والعملية بالإلكترونيات وأجهزة الكومبيوتر، واشترك مع سليم والدوخي في تجهيز ووضع العبوة الناسفة التي استهدفت دورية لليونيفيل على جسر القاسمية صيف 2007، ثم عبوة مماثلة على جسر سينيق، بحسب التحقيق الأولي معه. أما المعلومات عنه في اعترافات موقوفين آخرين، فتشير إلى اشتراكه أيضاً في استهداف القوة الإسبانية في الخيام عام 2006 واغتيال النائب وليد عيدو، وتجنيده شباناً لمصلحة «جمعية الإستجابة» السلفية، علماً بأن كايد نال في حزيران الماضي، براءة المجلس العدلي لعدم كفاية دليل علاقته بأحداث نهر البارد.

لم تكف ساعة
وربع ساعة لاستجواب كايد، فأرجئت الجلسة إلى 14 آذار


أمس، نفى كايد علاقته بعبوات اليونيفيل، لكنه تفاخر باشتراكه في إطلاق الصواريخ على العدو الإسرائيلي «بناء على التوجهات الجديدة للقاعدة في لبنان». للغاية، «حضر إلى عين الحلوة السعودي أبو يوسف الجزراوي مؤسس كتائب عبدالله عزام ومنسقها وممولها، حاملاً معه 20 ألف دولار لشراء الصواريخ وتجهيزها». تعرّف كايد إليه بواسطة طه الذي تولى تأليف مجموعة حملت اسمه ضمن الكتائب سميت «سرايا زياد الجراح»، وضمت كلاً من السعودي ماجد الماجد وجمال دفتردار (أستاذ الدين والشرع العائد للتو من العراق) ونعيم أحمد نعيم ومحمد جمعة الملقب بالمثنى ويوسف شبايطة ونعيم عباس. العملية الأولى نفذت من الجنوب إثر اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة، ثم توالت العمليات من أنحاء متفرقة من المناطق الحدودية. لم يكن طه أستاذ كايد في صنع دوائر الصواريخ وإطلاقها والتفخيخ وتزوير الهويات فقط، بل كان أيضاً الحضن الذي وفر له مخصصاً مالياً ومسكناً في المنشية بجوار أحمد العابد. أواخر 2008، غادر الجزراوي عين الحلوة بعد خلاف بينه وبين طه والماجد «حول وجهة الأهداف، حصرها باسرائيل أم توسيعها ضد الجيش وأطراف داخلية». تسلم الماجد لواء «الكتائب» إلى أن اندلعت الأزمة السورية عندما قرر دعم مجموعات ضمن «الجيش الحر». بغياب الماجد المتكرر عن عين الحلوة، تبلور عملياً أن طه هو الأمير الفعلي لـ «الكتائب».
في عام 2013، تزوج كايد سورية من حلب مقيمة في عين الحلوة هي أرملة عبد الغني جوهر (قتل في سوريا أثناء إعداده سيارة مفخّخة). بمساعدة طه مجدداً، حمل بطاقة فلسطينية مزورة وغادر مع زوجته بعيد معركة عبرا الى اتجاه سوريا بطريقة غير شرعية، اعتمد فيها على سليم أبو الغوش الذي انتظره في شتورة بتكليف من طه ثم اصطحبهما إلى أكرم ياسين في معربون حيث باتا ليلتهما قبل أن ينقلهما أبو حمزة السوري إلى رنكوس السورية. في التحقيق الأولي، قال كايد إن فضل شاكر حمّله ألفي دولار لإيصالها إلى الماجد في سوريا، وهو ما عاد ونفاه أمس. وكان قد أصر على أن توجهه إلى حلب كان بقصد الإستقرار والعيش لا «الجهاد». ثم قال إن «جهاده» مقتصر على العدو الإسرائيلي و»العدو الأسدي»، لكن إلقاء القبض عليه في 14 نيسان الماضي على حاجز للجيش في عرسال وما سبقه قبل أشهر من إنجاب زوجته لطفل في البلدة أيضاً، لا يتطابق مع إفادته. علماً بأن كايد نفسه قال في ملف آخر أمام العسكرية إنه شارك في تجهيز صواريخ وإطلاقها على الهرمل.
كاميرا العسكرية وثقت أمس مشهداً استثنائياً: كايد على منبر الإعتراف ومن خلفه يقف نعيم عباس ويجلس دفتردار على كرسيه المتحرك، فيما يحاكم جمعة وطه وسراج الدين زريقات غيابياً. لو سنح الوقت لرئيس المحكمة العميد خليل إبراهيم، لكان استجوب عباس للمرة الأولى غير ملف عبرا، بعد حل معضلة تغيب وكيله طارق شندب عن الحضور، إذ نقل إبراهيم تأكيد نقابة محامي طرابلس أن شندب اعتزل خطياً عن ملفات عباس. في جلسة أمس، تبرعت المحامية فاديا شديد بالدفاع عنه بموافقته. أما عن الجلسات المقبلة، فقد تعهد عباس توكيل محام جديد، وتعهدت نقابة المحامين تكليف وكيل دفاع أيضاً.