علمت «الأخبار» أن مرجعاً بارزاً في 8 آذار دعا الرئيس سعد الحريري إلى إصدار موقف علني يعلن فيه رسمياً ترشيحه النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وما إذا كان موقفه هذا يعبّر عن تيار المستقبل حصراً، أو يمثل فريق 14 آذار مجتمعاً. كذلك، طلب المرجع من الحريري تظهير موقف واضح للرياض وواشنطن من الموضوع نفسه.
ويبدو أن لدى 8 آذار خشية من مناورة حريرية جديدة، كما حصل سابقاً مع العماد ميشال عون، بهدف إطاحة ترشيح الأخير، ثم التراجع عن دعم فرنجية بذريعة غياب الاجماع المسيحي حوله، ربطاً بما يتردّد عن اتصالات بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وحزب الكتائب وشخصيات من 14 آذار، للخروج بموقف موحّد ضد «محاولة المسلمين فرض رئيس مسيحي».
وفي المقابل، يجري التداول بمؤشرات توحي بأن الموقف السعودي من ترشيح فرنجية «إيجابي جداً»، وأن هذا ما كان يُفترض أن يعبّر عنه الحريري في تصريح علني (تردّد أنه تريّث في إطلاقه في الساعات الأخيرة) يتبنّى ترشيح زعيم المردة. كذلك تردّد أمس أن موعداً قد يكون حُدّد قريباً لزيارة للسعودية يقوم بها فرنجية، ويلتقي خلالها ولي ولي العهد محمد بن سلمان.

موقف حزب الله

وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن مواقف أبرز الاقطاب في 8 آذار تنتظر، من جهة، الخطوات المقبلة للفريق الاقليمي الداعم للحريري، ومن جهة ثانية، موقف حزب الله الذي لا يزال يلتزم الصمت المطبق، علماً بأن قيادة الحزب أبلغت كل المعنيين، وعواصم إقليمية، أنها لا تزال على موقفها من ترشيح عون، وليست في صدد ممارسة أي نوع من الضغط عليه، وتترك القرار النهائي له في هذا الملف.
ولم يوفّر الحزب في الأيام الماضية قناة اتصال، مباشرة وغير مباشرة، بينه وبين التيار الوطني الحر (آخرها لقاء ليل أول من أمس بين وفيق صفا وجبران باسيل)، إلا وأرسل عبرها رسائل مطمئنة الى الرابية: «الجنرال مرشحنا الوحيد الى الرئاسة وملتزمون ما أعلنه السيد حسن نصرالله علناً في هذا الشأن. وهو موقف لم ولن يتغيّر». وفي المقابل، يُنقل عن العماد عون «ثقته الشديدة بكلام السيد وموقف الحزب».
رغم ذلك، تتحدث مصادر الرابية عن استياء شديد من عدم إحاطة فرنجية عون بأجواء لقاء باريس، قبله وبعده، وهو ما تردّ عليه أوساط زعيم المردة بأنه لم يوضع مسبقاً في أجواء اللقاء الباريسي الآخر بين عون والحريري.
توتر بين بنشعي والرابية
واستنفار مسيحي وحزب الله «متمسّك بعون»

وإلى الاستياء، في الأوساط العونية، أيضاً، هواجس من أن الزعيم الشمالي، حليف المقاومة اللصيق، ما كان ليقدم على اللقاء قبل استشارة حارة حريك. وفي المعلومات أن استشارة كهذه حصلت بالفعل. فبعدما تلقّى فرنجية أولى الإشارات في شأن ترشيحه من النائب وليد جنبلاط، استقبل لأكثر من مرة موفدين من الحريري، وسمع تلميحات مشجّعة من سفراء دول كبرى، في مقدمها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. وعندما أثير موضوع اللقاء، تواصل مع حلفائه، وفي مقدمهم الرئيس السوري بشار الاسد، فأحاله على السيد نصرالله الذي أكد له أن الحزب يخشى مناورات الطرف الآخر، وأنه على موقفه بأن مفتاح الرئاسة في يد عون. والزبدة النهائية: «افعل ما تراه مناسباً»، ولكن مع تأكيد الالتزام بتأييد جنرال الرابية ما بقي مرشحاً، وأن الحزب ليس في وارد ممارسة أي ضغط عليه.
وفي باريس، علمت «الأخبار» أن فرنجية كان واضحاً مع الحريري في مسألتين، مؤكداً أنه لن يغيّر موقفه منهما تحت أي ظرف: علاقته مع سوريا والمقاومة. ولكن بدا أن رئيس الحكومة الأسبق كان أكثر اهتماماً بقانون الانتخابات، إذ طالب بوضوح بالإبقاء على قانون الستين. فردّ فرنجية بأنه يدعم ذلك، ولكنه لا يضمن موافقة بقية الكتل على القرار. وبحسب مصادر، فإن هذا البند أمر أساسي لدى كل من الحريري وجنبلاط اللذين يرفضان بشدة إقرار قانون وفق النسبية، إذ يرى فيها الأول «تشتيتاً للسنّة»، فيما الثاني «مهجوس من إعادة النسبية المارونية السياسية الى التحكم مجدداً في جبل لبنان».

استنفار مسيحي

وبمعزل عن نتائج الاتصالات، إلا أن الترشيح بدأ يفعل فعله، مع بروز حالة من التوتر بين الاجواء المحيطة بعون وفرنجية، وتعذر عقد لقاء بينهما. ففيما لا ترى الرابية أن لديها جديداً تقدّمه، وأن من يقبل بالزعيم الشمالي القريب تاريخياً من القيادة السورية يمكنه أن يقبل بعون الأقل قرباً من هذه القيادة، لا يريد فرنجية لقاءً بروتوكولياً، بل يسعى الى وساطة تنتج تفاهماً قبل الاجتماع. لكن الواضح أن أحداً لا يتدخل بين الرجلين، على قاعدة أنه لا يمكن لأحد أن يفرض على أيّ منهما التراجع عن موقفه.
في ظل هذه الأجواء الملبّدة، تبدو الرابية ومعراب في صدد خوض معركة مصيرية لقطع الطريق على ترشيح فرنجية، شعبياً، وعلى صعيد استمالة بقية الأطراف المسيحية، كحزب الكتائب، لضمان أوسع مقاطعة مسيحية في حال مضت الأطراف الداعمة لترشيح فرنجية في قرارها هذا الى حدّ عقد جلسة لانتخابه. وإذا كان ما يُسجّل في الرابية استياءً، فإنه في معراب غضبٌ من جعل القوات تبدو، مرة جديدة، في صورة الزوج المخدوع... وأملٌ بأن ما أبلغه الحريري لفرنجية عن تأييد الرياض هو موقف «قياديين سعوديين» وليس موقف السعودية.