لا تبدو صيغة التسوية المفترضة بمجيء النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية قريبة من النضج، لكنها تبدو قوية لأسباب عدة، أولها «الإنذار» الغربي بضرورة الإتفاق حول مرشّح رئاسي، لأن «البديل عنه سيكون الفوضى»، وثانيها «مسار سعودي واضح» باعتماد سياسة جديدة قاعدتها الفصل بين الأزمة الرئاسية في لبنان، وما يجري في سوريا والمنطقة.
لقاء فرنجية والحريري في منزل الأخير في باريس ــــ لا في منزل رجل الأعمال جيلبير شاغوري ــــ اطلق تحليلات كثيرة، بينها اتهامات لرئيس تيار المستقبل، من فريق 14 آذار وغيره، بأنه «يناور مع فرنجية كما فعل مع العماد ميشال عون»، و«لم ينسّق مع المملكة العربية السعودية بشأن اللقاء»، لكن في تيار المستقبل رواية أخرى، إذ تؤكّد مصادر مطلعة أن الحريري «يشعر بضرورة العودة الى لبنان بعد غياب طويل، وهو على أهبة الإستعداد لذلك ولا يناور»، وأن «زمن المناورة انتهى وكل الأفرقاء دخلوا في مرحلة العد العكسي لانتخاب رئيس للجمهورية». وتؤكد المصادر أن «الحريري لن يكرر خطأه مع عون ولم يكُن ليلتقي فرنجية لولا ضوء أخضر سعودي». وتشدّد على أن «انتخاب فرنجية رئيساً للجمهورية لا يحتاج إلى معجزة، وأن السعودية حاسمة في دعمه، بمعزل عن الأسباب الموجبة التي تدفعها إلى ذلك، والتي لا تزال غير معلنة حتّى اللحظة»، علماً أن «المملكة غالباً ما كانت تتحدث عن فرنجية بايجابية»، وترى فيه «شخصية صادقة غير مراوغة، وينفّذ تعهداته»، مذكّرة بكلام لوزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل حين طُرح إسم زعيم المردة أمامه كمرشّح قبل سنتين، فعلّق: «ترشيح فرنجية كلام آخر. هو إبن بيت تجمعه بالمملكة علاقات تاريخية».
رسائل غربية
للبنانيين: سليمان فرنجية أو الفوضى!


وفي رأي المصادر أن الموقف السعودي مبني على قناعة بأن «الرئيس السوري بشار الأسد سيرحل»، وبالتالي فإن «مقولة أن فرنجية من حصّة الأسد في لبنان منفية وغير باقية».
المصادر تؤكّد أن «الترشيح سالك»، لكنْ «ثمة خيوط يجري تجميعها لتمثّل منفذاً الى الإنتخاب». وإذا كان في الموقف الإيجابي للمملكة من هذا الترشيح مؤشر إلى قرب نضج التسوية، تلفت المصادر الى إشارات أخرى تتمثّل «بموافقة أميركية وفرنسية وبريطانية وفاتيكانية على فرنجية»، وإلى جوّ، عكسته شخصيات غربية، يشبه إلى حدّ ما سمعه اللبنانيون قبل أكثر من ربع قرن على لسان مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط حينها ريتشارد مورفي، وعبارته الشهيرة «مخايل الضاهر أو الفوضى». وما يقوله الغربيون اليوم هو أن «لا مجال لعرقلة التسوية داخلياً، لأن البديل عنها سيكون الفراغ المستمر أو الفوضى، ولا سيما أن المظلّة الدولية التي تؤمّن الإستقرار على الساحة اللبنانية يُمكن أن تُرفع في أي لحظة».
وعن العقدة المتمثلة في موقف مسيحيي 14 اذار، ولا سيما موقف القوات اللبنانية، تقول المصادر إن مشكلتها «مع السعودية حصراً». وتلفت الى أن رئيس حزب القوات سمير جعجع «لا يهضم فكرة تولّي ثلاث شخصيات مسلمة، أي الحريري وجنبلاط والرئيس نبيه برّي طبخ تسوية الرئاسة»، كما أنه «فوجئ بأن المملكة لا تزال تعتمد الحريري مرجعية في أي مسألة لبنانية، حتّى تلك التي تتعلّق بالمنصب المسيحي الأول، بعدما توهّم بأن خطّ الإتصال المباشر الذي فتحه سابقاً مع الرياض سيمنحه فرصة القفز فوق رئيس تيار المستقبل». ولأن جعجع لا يُصدّق حتّى اللحظة أن السعودية تسير بهذه التسوية، كشفت المصادر أنه «أجرى إتصالاً برئيس الإستخبارات العامة خالد الحميدان، الذي لم يؤكّد الخبر ولم ينفه، ما زاد من شكوك رئيس القوات وتوتّره»، مشيرة إلى أن «جعجع يريد من السعوديين التواصل معه، لكنهم لن يفعلوا، لأنهم لا يريدون استعراض تأييدهم لأي مرشّح».