أزمة النفايات تراوح مكانها منذ 4 أشهر. حتى اليوم، لا حلول تلوح في الأفق بل مجرد اقتراحات عشوائية تُرمى من دون أي أسس علمية مثل تصدير النفايات الى الخارج، إلّا أن «الحلول» الأخطر لا تزال مطروحة. خيار المحارق «الكارثي» ليس مستبعداً على ما يبدو، إذ إنّ التجارب القائمة في محرقة ضهور الشوير مستمرة.
لا دراسة مسبقة للأثر البيئي، فالفوضى وصلت حد إدخال محرقة وتجهيزها وبدء «تجريبها» لمعرفة أثرها؛ بهذه البساطة تحصل المخاطرة بحياة الناس في هذا البلد. روّج أصحاب هذا الحل لـ»وهم» مفاده أن النفايات تختفي: نحرقها فتختفي وينتهي الأمر. لذلك، نظّم معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت ودائرة الصحة البيئية السلامة ومعالجة المخاطر حلقة نقاش تحت عنوان «هل للمحارق دور في حل أزمة النفايات المنزلية الصلبة في لبنان؟» بعدما أشيعت معلومات للرأي العام عن أهمية المحارق.
أي خلل في
أجهزة رقابة المحارق يؤدي الى انتشار ملوثات خطرة


قبل الخوض في مناقشة أشكال المعالجة عبر الحرق وأنواع المحارق عالمياً، يُعد حل المحارق مغامرة كبرى وخصوصاً أن لبنان ليس بحاجة لهذا الحل. يؤكد الخبير والاستشاري في علم السموم الكيميائية الصناعية الدكتور ناجي قديح أن «نوعية النفايات في لبنان وتركيبتها لا تتطلّبان الحرق وبالتالي فهذا الخيار يجب الّا يكون مطروحا للنقاش. أمّا الدول التي تعتمد هذه الطريقة فلديها شروط مؤسساتية، تشريعية، رقابية وتقنية صارمة ما لم تتوافر تصبح المحارق مغامرة».
يبدأ قديح كلامه بالتحذير من أنّ «مسألة المحارق ليست بسيطة، فأي خلل في أجهزة رقابة المحارق يمكن أن يؤدي الى انتشار لائحة طويلة من الملوثات الخطرة والسامة، ما يعني وضع الناس في مخاطر مرتفعة جداً». فالنفايات التي «تختفي» في المحرقة تتحوّل الى رماد وغازات تتطلّب مراقبة دقيقة. يعرض قديح لائحة لأبرز الغازات المنبعثة الناتجة عن المحارق مثل أكاسيد الكبريت، هيدروجين الفليور، ثاني أوكسيد الكربون، وما يمثله من تلوث بيئي، أكاسيد النيتروجين، الجزيئات التي تمثل خطرا كبيرا على الصحة العامة، والديوكسينات والفوانات اللذين يعدّان من أخطر الملوثات.
تشرح الدكتورة في علم الأوبئة والصحة العامة في جامعة القديس يوسف ميريام مراد «العلاقة الوثيقة بين الإنبعاثات والصحة، فالسموم التي تنتج من الحرق صعبة التحلل وأثرها طويل الأمد، إذ يمكن أن تبقى في جسم الإنسان والحيوان والتربة والمياه لفترة طويلة». مخاطر هذه الإنبعاثات جدية إذ تؤدي الى انتشار الأمراض السرطانية، أمراض الرئة والقلب، التشوهات الخلقية، الأمراض الجلدية… تفصّل مراد تأثير كل من هذه الإنبعاثات على الناس المعرّضين لها بشكل مباشر كسكان المنطقة التي تقام فيها محرقة والعاملين فيها، فالجزيئات يمكن أن تصل الى الرئتين وتسبب أمراضا في القلب والدماغ والدم بحكم حجم صغرها. أما الديوكسينات والفوانات فهما مادتان مسرطنتان تسببان على نحو أساسي سرطان البروستات والرئتين، السكري، إنخفاضا في المناعة... ولا يقتصر تأثيرهما على المنطقة المحيطة بالمحرقة، إذ يمكن أن ينتقلا الى مناطق أخرى ويحتاجا الى نحو 15 سنة لينخفض تأثيرهما، وإلى 100 سنة إذا دخلا طبقات الأرض.
عالمياً، توجد 5 أجيال من المحارق، لكن الى أي جيل تنتمي محرقة ضهور الشوير التي رُوّج أنها تنتمي الى الجيل الرابع؟ يقول قديح إن المحرقة المُستقدمة لا تشبه الجيل الرابع بشيء إنما تنتمي الى جيل عام 1900، أي الجيل الأول، مع إدخال غرفة إضافية للإحتراق وهو تعديل مهم يساهم في تخفيف نسبة الانبعاثات. يعرض قديح صورة المحرقة ويشرح: «أنظمة حماية التلوث غير موجودة، لا فلاتر، لا نظام لاسترداد الطاقة. الحرق ليس مستمرا، بل على دفعات ما يؤدي الى اعادة تكوين الديوكسين». خلاصة قديح هي أنّ المحرقة ليست آمنة بيئيا وصحياً، أمّا «إسقاط» المحرقة على الناس كأنها أمر واقع هو استهتار بالمؤسسات والقانون.