على وقع التخبّط والإرباك اللذين تعيشهما الأجهزة الأمنية والعسكرية في إسرائيل، بسبب المسار التصاعدي لانتفاضة الفلسطينيين، واعتماده أساليب وتكتيكات متجددة، تشهد الساحة الإسرائيلية حالة من التجاذب والسجال حول جدوى الأساليب القمعية التي تتبعها إسرائيل، وفي مقدمتها سياسة تدمير البيوت وإمكانية تحقيق الردع المنتظر منها.
من الذين عالجوا هذه القضية، «المعهد الإسرائيلي للديموقراطية»، الذي شكك في جدوى هذه السياسة استناداً إلى تجارب سابقة. ورأى المعهد أن السؤال حول جدوى سياسة تدمير المنازل في تحقيق الردع ضد الشبان الفلسطينيين يحضر بقوة لدى صناع القرار السياسي في تل أبيب، داعياً إلى ضرورة البحث عن أساليب أخرى، لأن الإجابة عن السؤال حول جدوى هذه السياسة جاءت سلبية، فضلاً عن أن هذه القضية هي موضع خلاف قانوني وسياسي.
وبعيداً عن المستندات القانونية التي تتبناها إسرائيل في تنفيذ هذه السياسة، وتعود إلى إجراءات الطوارئ منذ عهد الانتداب البريطاني، يؤكد المعهد أن تبرير سياسة التدمير وسرعة تنفيذه، يستندان إلى مفاعيل العقوبات على ما يسمّيه «الإرهابيين وعائلاتهم». ولفت إلى أن «المحكمة العليا» في إسرائيل اعترفت مرات عدة باعتبار الردع عاملاً حاسماً لمصلحة استمرار هذه السياسة، رغم الأضرار الكبيرة التي تلحقها بالعائلات، من دون أي دليل على مشاركتها في النشاطات «الإرهابية».
لكن ما حدث، تضيف المقاربة التي أجراها المعهد، هو أنه في عام 2005 تقرّر وقف سياسة تدمير المنازل، استناداً إلى توصية لجنة مهنية برئاسة اللواء أودي شني، خلُصت إلى أن أضرار هذه السياسة أكثر من فوائدها، خصوصاً أن الردع المحدود لا يعتبر مقابلاً للكراهية التي تثيرها هذه الخطوة القاسية لدى الفلسطينيين. على ضوء ذلك، تقرر آنذاك وقف تدمير المنازل، إلى حين حصول تغيير حادّ في الظروف. وانطلاقاً من هذا المعطى، رأى جهاز الشاباك أن تغييراً حادّاً قد تبلور في عام 2008، بسبب تزايد العمليات ضد الإسرائيليين انطلاقاً من شرقي القدس، ونتيجة ذلك تقررت العودة إلى هذه السياسة.
وتوقف المعهد عند غياب معطيات تظهر جدوى هذه السياسة، مضيفاً أن هناك أبحاثاً تؤكد أن سياسة تدمير المنازل لم تنتج ردعاً، بل عزّزت الحافزية للعمليات. ونقلت عن العميد أريه شلو قوله إن المفعول الردعي لتدمير المنازل خلال الانتفاضة الأولى تراجع مع مرور الوقت، مشيراً إلى أنه بدلاً من تراجع حجم نشاطات العنف، تزايد، والأمر نفسه ينطبق على الانتفاضة الثانية.
إلى ذلك، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم أمس، تكثيف الاجراءات الأمنية في الضفة، في محاولةٍ لوقف حدة المواجهات. وسيطلق نتنياهو العنان لقوات الأمن والجيش، وقد قال: «من أجل تعزيز وتيرة حربنا على الإرهابيين، لن نفرض أي قيود على أنشطة جيش الدفاع والأجهزة الأمنية، ونقوم بشق طرق التفافية خاصة بالإسرائيليين».
وأكد نتنياهو أن القوات الإسرائيلية تدخل جميع القرى والبلدات الفلسطينية والبيوت وتقوم باعتقالات واسعة النطاق إلى جانب التدقيق في كل السيارات الفلسطينية أثناء مرورها في الطرقات الرئيسية. وأضاف: «نعمل بلا أي قيود ليلاً ونهاراً ضد الإرهابيين»، داعياً إلى «سحب تصاريح العمل بشكل واسع النطاق من ذوي الإرهابيين». وشدّد على الاستعداد الإسرائيلي «للتعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي بوسائل مختلفة».
وجاء إعلان نتنياهو تزامناً مع منع الجيش الإسرائيلي دخول العمال الفلسطينيين إلى الكتل الاستيطانية الكبيرة في جنوب بيت لحم، إثر عملية طعن أول من أمس، ويطبّق هذا المنع فقط على تجمع مستوطنات «غوش عتصيون» و«بيتار عليت» و«إفرات» التي تشهد هجمات متكررة، وتقع بين بيت لحم والخليل، جنوبي الضفة، ويعمل فيها نحو ألفي عامل فلسطيني، فيما يسكن نحو 92 ألف إسرائيلي هذه الكتل الاستيطانية.
رغم ذلك، شككت صحيفة «إسرائيل اليوم» في الخطوات والإجراءات التي اتخذها الجيش الإسرائيلي في الخليل، رغم مرابطة قوات كبيرة من الجيش تضم ما بين 7 إلى 8 كتائب عسكرية، ورأت أن نجاحها لا يزال جزئياً حتى الآن. وفي إسرائيل، يستعدون لزيادة الضغط على الخليل في حال عدم توقف العمليات، وكجزء من ذلك، يمكن فرض قيود جديدة على الفلسطينيين في مجالي حرية الحركة والعمل.