في مستهل أسبوع إحياء الذكرى الـ72 للاستقلال، أطلقت المؤسسة العسكرية ملصقاً دعائياً جديداً مثلما جرت العادة في كل مناسبة وطنية. اتسم الملصق بطابع ملفت، إذ جمع ما يقارب مئة شخصية لبنانية قضت في فترات تاريخية مختلفة منذ الاستقلال عام 1943 من ساسة وصحافيين الى عسكريين ومدنيين، من مختلف التوجهات السياسية والطائفية. عُلقت صور هؤلاء على حائط «المكان الأمثل لصور الشهداء» تحت شعار الجيش وعبارة «كلنا للوطن».
قد تبدو محاولة المؤسسة العسكرية التقريب بين مختلف وجهات النظر، أو ردم الهوة بين الأحزاب السياسة اللبنانية، وبين أمراء الطوائف وإزالة ربما الحواجز النفسية الأشد خطراً من الحواجز «المادية». بمعنى آخر، تقصد المؤسسة العسكرية من خلال هذا الملصق القول بأنّه مهما اشتد الخلاف بين مكونات الموزاييك اللبناني، العودة لن تكون إلا للوطن، لكن العملية أعقد من مجرد «العودة الى الوطن». يعطي الملصق الجديد كما غيره من الملصقات الدعائية استنتاجين: الأول فني، والثاني سياسي. من الناحية الفنية، يبدو واضحاً لمن يتابع التسلسل الزمني للملصقات أنّ قسم الدعاية في مديرية التوجيه يعاني من نقصٍ حاد في الإبداع والقدرة على استنباط الأفكار، تجلّى في إخراج ونشر ملصقات دعائية تروج للمؤسسة العسكرية بطريقة غير احترافية، بل تعتمد اسلوب الاقتباس ولا سيما العلامات اللغوية. مثلاً في إحدى الملصقات، يقتبس الجيش علامة لغوية من أغنية لصباح عنوانها: «بكرا بتشرق شمس العيد»، وأخرى «جايبلي سلام» للسيدة فيروز، ما يعكس واقع غياب الإبداع لدرجة تبعث على الدهشة. الحل ربما يكون بتسليم ملف الملصقات الدعائية للجيش لشركة خاصة، أو تنظيم حملة دعائية بين طلاب المدارس والجامعات تهدف الى تبادل الأفكار لإعطاء طابع إبداعي لا أكثر.
لنقص حاد في الإبداع
وعجز واضح عن
إستنباط الأفكار

من الناحية السياسية وهي الأهم بالنسبة إلى كثيرين، يبدو أنّ واقع الملصقات الدعائية الخاصة بالجيش هي التعبير الأكثر صدقاً عن طبيعة العلاقة بين المكونات اللبنانية، من أحزاب ومذاهب وتوجهات سياسية. والواقع يقول بأن الفجوة كبيرة ويصعب ردمها، وتزداد يوماً بعد يوم، فالجيش يلعب دور منظم الخلاف والاختلاف، او بمعنى أوضح «شرطي سير» يعمل على تنظيم وإدارة الفوضى المستشرية.
للمرة الثانية تقع المؤسسة العسكرية في الخطأ. في عام 2013 وفي الذكرى الـ70 لعيد الجيش، أطلقت المؤسسة ملصقين يجمعان خمسة ألوان، الأول بعنوان: «القاسم المشترك»، والثاني بعنوان «الجامع المشترك». وقد أصدرت مديرية التوجيه في قيادة الجيش في آب (أغسطس) الفائت بياناً تشرح فيه معاني الملصقين. في «القاسم المشترك» وفق بيان المديرية، هناك خمسة ألوان: الأصفر، الأخضر الغامق، البرتقالي، الأزرق الفاتح، الأحمر، و»ترمز إلى حرية المعتقد والتعبير والتنوع الثقافي والفكري في لبنان الذي يصل... إلى حد الاختلاف، وهذه الأمور هي من سمات الشعب اللبناني». في الملصق الذي يحمل اسم «الجامع المشترك»، الألوان نفسها مرسومة بشكل مرقط، وهو ما يرمز إلى شكل التمويه للبزة العسكرية التي تحمي التنوع والحريات على اختلافها. ليس بالضرورة أن تعبر الألوان عن التنوع الثقافي وحرية المعتقد والتنوع، أو ان توحد اللبنانيين رغم الاختلافات العاصفة في ما بينهم، فالألوان هي انعكاس لسلطة الأحزاب، التي بدورها هي انعكاس لسلطة الطوائف، التي هي أقوى من الجيش وإرادتها نافذة على إرادة المؤسسة العسكرية.
وكان ملفتاً كيف جمع هذا العام أحد الملصقات أحزاباً عقائدية لا تعترف بلبنان كوطن نهائي، مع صورة الوزير السابق إيلي حبيقة، وصورة السيد عباس الموسوي مع صورة الرئيس بشير الجميل. غريب كيف جمعت صورة القائد الشيوعي جورج حاوي وصورة المفكر مهدي عامل مع شهداء حركة أمل أو القيادي في القوات اللبنانية رمزي عيراني! الى جانب العديد من الصور التي تعود الى قيادات كتائبية واشتراكية وقواتية ويسارية وقومية... يبقى السؤال: الى أي مدى تتجلّى الوحدة الوطنية في ملصق يكتفي بجمع التناقضات السياسية والطائفية. ربما كانت وحدة الوطن يوتوبيا من صلب تكون مؤسستنا العسكرية، لكن الواقع يفضحنا دائماً ويقول حقيقته السافرة.