لو أراد أحدهم أن يرفع الصور إلى السماء، وثيقة عن العذاب البشري، نزولاً عند رغبة محمد الماغوط، لتطلّب الأمر جيشاً كاملاَ. النسخة 27 من «المهرجان الدولي للصورة الصحافية ــ بيربينيان» (visa pour l’image) الذي افتتح أخيراً، مرادف بصري للثقل المتيبّس في قعر العالم. تخمين النتيجة لا يحتاج إلى جهد كبير. تتوجه معظم عدسات عشرات المصورين المشاركين في المهرجان نحو الشرق الأوسط وأفريقيا وبلدان آسيا، فيما تنشغل أخرى ببعض الأزمات الطارئة في أوروبا.
حتى 13 أيلول (سبتمبر)، تتحوّل بربينيان، إلى فضاء كبير للعرض، وتجمع الصحافيين المشاركين في نقاشات وورشات عمل، فيما ستتاح فرصة اللقاءات أمام المصورين الفوتوغرافيين الصحافيين من كل أنحاء العالم.
يؤمن الحدث 10 أمكنة في المدينة لعرض الصور مع قصص ونبذات، إلى جانب العروض المتغيرة، كل ليلة على الشاشات. هو ترسيخ للصورة الصحافية، مقابل الألبوم الضخم، على تويتر وفايسبوك وأنستغرام. ترسيخ للقصة مقابل الخبر العاجل، وللبقاء بدل الزوال الفوري للصور على النيو ميديا، الذي يؤثر على الصورة الصحافية. موضوع تحدث عنه مدير المهرجان جان - فرنسوا لوروا في افتتاحيته «ديناصورات ونوستالجيا». تساءل عن إمكانيات تطور الصورة الصحافية، مع تطوّر العالم. بدا مطمئناً، أمام هذه التساؤلات، إلى النتيجة البصرية التي خرج بها المهرجان هذه السنة، رغم كل شيء، ورغم كل الانتقادات التي تطال «صور المجاعات والحروب، ولا توجّه إلى الصورة الرياضية مثلاً».

يشارك لبنان من خلال
أربعة مصوّرين

لا مفرّ من التكرار طالما أن العالم يلتهم نفسه. يأتي المهرجان مراكماً اللحظات الإنسانية، والبشاعة والمجازر والأمراض. سوريا التي صارت ركاماً بشرياً وزحمة على الحدود، ومرض الإيبولا في أفريقيا، وحياة الذعر اليومية في الصومال، النساء الإيزيديات اللواتي شكلن مجموعات مسلحة لمواجهة «داعش» في العراق. جمهورية أفريقيا الوسطى تعيش أقسى الحروب الأهلية في أفريقيا بعد مجازر رواندا. وفي مينوفا في أفريقيا، يتعرض الأطفال والنساء للاغتصاب، وفي النيبال تجتاح الزلازل البلاد.
أما الأزمات الأوروبية الطارئة، كأزمة السكن في إسبانيا، وحادثة «شارلي إيبدو»، والأمهات المراهقات في فرنسا، فتبدو نعمة في وجه تلك التي تضرب آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية. في قسم الصحافة اليومية، يشارك أربعة مصوّرين لبنانيين هذه السنة. وفيما كانوا سيتحوّلون إلى أرقام من الجرحى في تظاهرات الأسبوع الماضي في لبنان، بعد اعتداء القوى الأمنية عليهم وعلى كاميراتهم، يلاحق المصورون ما وراء المجازر، والوجوه خلف الأرقام. وبعدما شارك السنة الماضية في مجموعته عن اللاجئين السوريين، التقط الزميل مروان طحطح صوراً من انفجار جبل محسن بعد يوم على التفجير الذي قام به شابان فقيران من حي مجاور. الصور كلها من داخل مقهى أبو عمران، فسحة الفقراء في المدينة الشمالية. في خلفية رمادية موحدة، يلتقط طحطح ورق اللعب وأوراق النتائج، وإبريق الشاي: اللحظات الأخيرة للذين قتلوا وجرحوا في التفجير. يرفق صوره مع قصة صغيرة تحكي عن الفقر والاستغلال الطبقي الذي يقف خلف التفجير. إنه ليس بورتريه للضحايا بقدر ما هو توثيق للطبقة المسحوقة التي تنتج ضحايا وقتلة في الوقت نفسه.
عن «الحرب الأهلية الأخرى» يشارك المصوّر حسين بيضون (العربي الجديد) في صور من طرابلس أيضاً اثر الاشتباكات بين الجيش اللبناني والجماعات الإسلامية العام الماضي. بين السوق القديمة حيث دارت المعارك، وبين البيوت، ينقل بيضون كاميراته، مظهراً الدمار، والناس الذين اعتادوه كحرب أهلية أخرى.
أما حسن شعبان ومحمد زعتري (دايلي ستار)، فيلتقطان انعكاس الأزمة السورية على لبنان. الصور الخمس تظهر مقاتلين لـ«حزب الله» في القلمون (سوريا)، وتشييع شهداء من الحزب، إلى جانب قضية المخطوفين العسكريين وتظاهرات عائلاتهم التي احتلت وسط البلد. وبالعودة إلى المهرجان الذي انطلق عام 1989، محتفياً بالصورة الصحافية عن طريق العرض والجوائز واستقطاب المصورين من مختلف البلدان والاتجاهات والوسائل الإعلامية، سيمتد طوال العام ابتداء من هذه السنة. خلال الدورة الحالية، سيطلق «المركز العالمي للصورة الصحافية» في مدينة «بربينيان» منصة ثابتة تعرض الصور طوال السنة.