«رأسمال السلطة التي يملكها التيار هو الشعب». هذه الجملة وردت في التقرير الأول الذي بُثّ في «احتفالية» تنصيب وزير الخارجية جبران باسيل رئيساً للتيار الوطني الحرّ، على الرغم من أنّ «شعب التيار» لم يقل كلمته «المباشرة» في عملية اختيار رئيسه. أمس، انضم «التيار العوني» الى نادي الأحزاب اللبنانيّة التقليدية التي لا تعرف سوى «الوراثة السياسيّة» ضمانةً لاستمراريتها. باسيل هو رئيس «التيار» بعد أن فرضته «رغبة» المؤسس العماد ميشال عون وكرّسته المبادرة التوافقية التي عمل عليها النائب إبراهيم كنعان، بحجة تجنيب التيار «كأس الانقسامات المرّة». الفريق الثاني المُعترض على «بعض» سياسات «التيار» وعلى الاتفاق الذي تمّ منذ تسعة أيام، فشل في كلّ محاولاته لتطبيق النظام الداخلي، فغابت وجوهٌ عديدة عن مؤتمر باسيل أمس، أبرزها منافسه السابق على رئاسة التيار النائب ألان عون (سافر إلى فرنسا لتحاشي المشاركة في حفل «تنصيب» باسيل). أما النواب المعارضون، فبدوا كأنهم «مُكرهون» على الحضور. حتى إن تبادلهم للقبل والعناق في نهاية خطاب باسيل لم يُساهم في ترويجهم لجوّ «الالفة» الذي يحكم علاقتهم بعضهم ببعض. وحده وجود اللواء نديم لطيف شكّل علامة فارقة، لما له من رصيد كبير في وجدان العونيين.
وانحنى أمامه باسيل، إلى درجة أوحت لبعض الحاضرين بأنه قبّل يده.
في 18 الجاري، توافق المرشحَان إلى رئاسة الحزب، باسيل وعون، على سحب ترشيح الأخير مُقابل «ضمانات شخصية» من «الجنرال»، أبرزها إدخال تعديلات على النظام الداخلي وتعيين نائبي الرئيس من «الفريق المُعارض» أو على الأقلّ أحدهما، وهما البندان اللذان لم تلتزم بهما القيادة الجديدة لـ«التيار». وتقول المصادر إنه قد يُستعاض عن ذلك «بحل داخل المكتب السياسي». وكان إعلان اسمَي نائبي باسيل مفاجئاً، بعدما رست «مشاورات الساعات الأخيرة على اسمَي أدونيس عكرة ورومل صادر». في البداية طُلب من كنعان «أن يكون نائباً للشؤون السياسية ونقولا الصحناوي نائباً للشؤون الادارية». رفض كنعان المنصب، قبل أن يرسو الأمر على الصحناوي وصادر.

لن تتعامل المعارضة مع القيادة الجديدة بنيّة انقلابية

مجموعة من القياديين والحزبيين الذين «آمنوا» بأن ألان سيقود جبهتهم لم ينكفئوا. البعض مزّق بطاقته الحزبية الى نصفين، فيما البعض الآخر حاول رصّ الصفوف والمضيّ قُدماً بالمعركة الانتخابية ولو بـ«رأس حربة» آخر.
تحت عنوان «معاً لتيار أقوى»، عقد 350 «عونيّاً» اجتماعاً يوم الأربعاء في أحد فنادق جونية «لأنّ مراكز الحزب غير متاحة لنا، فالامكانيات هي فقط لشخص واحد»، تقول مصادر المعارضين. وتوضح أن المعارضة «ليست حُبّاً بهذا الأمر، ولكن نحن لدينا نظرة للتيار. إذا أخطأت القيادة الجديدة فسنُحاسب».
الحملة الاعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي التي سبقت هذا الاجتماع أوحت بأن موقفاً سياسياً «مُهماً» سيصدر عن المجتمعين أو أن حركتهم الاعتراضية ستكون مُنظمة بشكل أكبر، قبل أن يتبيّن أنه أُجهض في لحظته.
الهدف من اجتماع جونية، توضحه المصادر، أنه كان من أجل إقناع النائب زياد أسود بالترشح بوجه باسيل: «فشلنا في ذلك، ونحن لم نكن نريد أن نخوض معركة شكلية على شاكلة معركة سامي الجميل وبيار عطاالله. أردنا خلق تنافس حقيقي ويكون له طعم». تقول المصادر إنّ ترشيح أسود «كان ليضيف حيثية على الانتخابات أكثر من غيره». مُشكلة الأخير كانت في أن المعارضين لجأوا اليه كخيارٍ ثانٍ، «وشعر بأنه بدل من ضائع، خاصة أنه طرح ترشحه منذ البداية، ولكن سِرنا بألان بعد أن أخذ (القيادي) نعيم عون الأمر على ضمانته». السببان الآخران اللذان تسلح بهما أسود هما: «رمزية مُشاركته في لقاء المصالحة بين باسيل وعون وعدم اقتناعه بقدرته على تحمّل الضغط الذي كان سيُمارسه الجنرال».
«لم نكن نريدها أن تكون مجانية»، تضيف المصادر بلهجة انهزاميّة وهي تعترف «إيه فشلنا ولكن نحن نعرف أنه كان لنا شرف المحاولة». التيار الوطني الحر «هو لنا»، والحزبيون الذين اجتمعوا في جونية «قدموا الكثير وربما أكثر من جبران، وين بدنا نفلّ؟». تقول المصادر ذلك لتؤكد أنها لن تتعامل مع القيادة الجديدة بـ«نية انقلابية، لا خلاف بالشخصي مع أحد. سنبقى موجودين ونرفع الصوت حين لا يُعجبنا الأداء».
رغم اعترافهم بالفشل، يرفض المعارضون إعلان استسلامهم: «الآن بدأت الحالة، والآن سنتوسع. نحن نؤمن بأننا على حق وأن هذه هي البداية». ولكن، «لم نعد نثق لا بألان ولا بنعيم ولا بكنعان. نثق فقط بباسيل، لأنه على الأقل كان صريحاً وواضحاً».
هذا الاجتماع لم يشغل بال فريق باسيل ودعاة التوافق في الحزب، فمصادر هؤلاء تصف الاجتماع بـ«العراضة، والدليل أن شيئاً لم يصدر عنه». وتزيد بأن أسود ما إن خرج من الاجتماع «اتصل بباسيل موضحاً أنه شارك بناءً على دعوة تلقّاها وليس في سياق الحركة الاعتراضية». المعلومة الأخيرة تنفيها مصادر المعارضة. وتشير المعلومات الى أن «بعض الذين شاركوا في اجتماع جونية تُطرح علامات استفهام حول مدى التزامهم الحزبي، وقد يحال على المساءلة الحزبية». المعارضون يردّون على هذا الكلام: «نحن نعرف أيضاً كيف نحاسب».
رئيس حزب «التيار» بقي بعيداً عن «القيل والقال». على وقع الأغاني القديمة، وبثقة، تنقّل في قاعة قصر المؤتمرات. تحدث عن التيار «خلاص المسيحيين وأمل اللبنانيين ورجاء المشرقيين والقوي بوحدته وباللامركزية والنسبية»، الذي يحمل قضية «بناء الدولة الصالحة». ركز باسيل في خطابه على الـ«نحن»، واعداً بإعادة الحراك الشعبي لتياره وباللجوء الى «المساءلة الدورية والموضوعية والتحكيم الداخلي».