لا ينفك رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون يسأل عند كل حوار او تفاوض حول الحكومة والازمة الحالية «ماذا عن تعيين قائد للجيش؟». لا يزال عون يقف في المربع الاول، الآلية والشراكة في اتخاذ القرارات والتعيينات الامنية. كل ما عدا ذلك طارئ على المسألة الاساسية، بما في ذلك توقيع المراسيم ونشرها وعدم حضور جلسات مجلس الوزراء.
ففي خضم الازمة المستجدة الناتجة عن نشر رئيس الحكومة تمام سلام مراسيم لم يوقّعها وزراء التكتل وحزب الله، ظهر ان عون بات مشغولا بمعالجة تداعيات هذه الازمة، وان معضلات الاشهر الماضية باتت وراء الجميع. زاد في تأكيد ذلك، ان مجلس الوزراء عُقد دون حضور التكتل وحزب الله، وان سلام نشر المراسيم السبعين ولو لم يوقّعها الطرفان، اضافة الى ان التمديد لقائد الجيش بات بحكم الامر الواقع، وان كل ما اثير من اقتراحات، تتقاطع مع ايجاد تسويات لوضع قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز، سواء لجهة رفع سن تقاعد العسكريين او ترقية مجموعة من العمداء الى رتبة لواء، لا يجد له صدى في قيادة الجيش، او حتى لدى بعض القوى السياسية الاساسية، التي تتحدث عن اقتراب تقاعد روكز.

هيكلية الجيش ستتغير حكماً، وعون حريص على عدم التخمة نتيجة الترقيات


فما يقال في اروقة قيادة الجيش ان لا رفع لسن تقاعد العسكريين، لاسباب باتت معروفة عسكريا وماليا، وان لا رتب جديدة ستدخل على هيكلية الجيش. وفي معرض النفي ايضا، فإنه لا مبادرات مع القيادة بشأن هاتين النقطتين، لأن موقفها معروف من رفضهما.
تأتي هذه التأكيدات في وقت كان فيه روكز بدوره ينفي امام سائليه موافقته على اي تسوية تتعلق بشخصه وحده، وتميزه عن رفاقه. علما ان اسئلة كثيرة لا تزال تطرح عن قانونية خطوة الترقية لرتبة لواء، وعما اذا كانت ستصدر بقانون، او انها ستكون استثنائية ولمرة واحدة، فيما طرح بعض الضباط مسألة شائكة تتعلق بالآلية التي ستُعتمد لاختيار ضباط للترقية واستبعاد آخرين، واحتمال طعن اي ضابط بهذه الترقيات، اضافة الى ربط تسمية العمداء المقترحين للترقية بالقوى السياسية التي ستمتلك قرار ترفيعهم، ما يجعلها تتحكم في الجيش وفي أوضاعه الداخلية وترقية ضباطه، بخلاف ما هو متعارف عليه داخل الجيش.
في ضوء كل ذلك ظل عون على موقفه متمسكا بمطالبه لحل الازمة المعقدة، والحلول لا تقتصر على كيفية حل مشكلة السبعين مرسوما. فهذه المراسيم هي النقطة التي افاضت الكأس التي طفحت، فجعلت عون يقوم بجولة اتصالاته مع القادة المسيحيين، ويُجري لقاءاته الاخيرة، ويتمسك بموقفه من دون اي تراجع، ولا سيما ان عقد جلسة مجلس الوزراء البارحة، بحسب مقربين من عون، يجب الّا يمر مرور الكرام، لان عقدها امر «خطر» ويتجاوز كل الاعراف المتبعة منذ تأليف الحكومة الحالية.
لكن حل الأزمة، بعدما استشعر البعض، ومنهم النائب وليد جنبلاط، خطورة وصولها الى هذا الحد، لا يزال مرتبطا باعتماد الالية التي لن يتراجع عون عن التمسك بها، والتعيينات الامنية. وما بين القضيتين، كلام كثير، يتعلق بالرئيس نبيه بري ودوره الاخير، وما وصلت اليه الاقتراحات المتداولة في شأن ما طرح من رفع سن تقاعد العسكريين وترفيع عمداء.
في الكلام عن بري، تساؤلات عن الدور المبهم، اذ بدل ان يكون ضابط الايقاع كما كان سابقا، ظهر وكأنه طرف لا محايد، موجها رسائله الى حزب الله اكثر منه الى عون. فهو وضع نفسه في خانة الاقرب الى تيار المستقبل والرئيس تمام سلام، حتى حين تمنى عليه (بعد عقد جلسة أمس) عدم الدعوة الى عقد جلسات جديدة. ورئيس المجلس كان يتحدث كمن هو ضمن الفريق الواحد مع الذين ساروا في عقد مجلس الوزراء، ولو ان الوزير علي حسن خليل قال كلاما في جلسة الثلثاء دافع فيه عن موقف المنسحبين من الجلسة. وبري صاغ تسوية ومرر ما يريده في مجلس الوزراء ولا سيما البنود المتعلقة بوزارة المال، من دون اي تسوية سياسية مع عون، خلافا للاعتقاد السائد. وعلى عكس ما هو رائج، ولا سيما في اوساط قوى 14 آذار، فان تقاطع بري مع حزب الله لا يجد له صدى في اوساط عون. الحزب متوافق مع عون حتى النهاية، وموقع بري ملتبس، ولا سيما بعد كلام نصرالله المتكرر عن وقوفه الى جانب عون. فاذا كان قد أُخذ على الحزب انه لم يعارض تسوية بري القائمة على التمديد لقائد الجيش، فإن الحزب اليوم قاطع جلسات مجلس الوزراء ورفض توقيع المراسيم مع وزراء التكتل، وقرر التكاتف معه اذا نزل الى الشارع، وأعلن أنه مستعد «لكل التضحيات».
اما بالنسبة الى نقاط الخلاف، فان عون ابلغ كل من اتصل به او راجعه، انه لن يتراجع عن دفاعه عن صلاحيات رئيس الجمهورية وعن حقوق المسيحيين واحترام الشراكة. وكلامه المفترض اليوم سيصب في هذا الاطار. اما بالنسبة الى النقطة الثانية، بحسب مصادر عون، فان القناة الوحيدة للتفاوض في شأن رفع سن التقاعد او ترفيع عمداء، هي المدير العام للامن العام عباس ابرهيم. وهو يحظى حتى الان بثقة عون في هاتين النقطتين اللتين طرحتا للبحث. علما ان عون لم يوافق او يرفض، بل ترك باب النقاش مفتوحا وقابلا للتفاوض، حتى لا يقال انه يقفل الباب على اي حلول تساهم في حل الازمة، وتشرعن الوضع القائم حاليا في المؤسسة العسكرية.
لكن عون لم يتلق بعد اي جواب نهائي عن ترفيع العمداء، فلا اعطيت لعون أعداد من سيرفعون ولا هو دخل في النقاش حولها. ما جرى أن أفكاراً طرحت للتداول، من بينها ما اذا كان الترفيع سيجري بقانون او لا، علما ان هيكلية الجيش المرفقة بقانون الدفاع ستتغير حكما، وان عون حريص على المؤسسة، فلا تلحقها التخمة بسبب اسلوب الترقيات كما حصل حتى الآن.