أسانسور محيّر

على باب المصعد، وقف بضعة أشخاص ينتظرون المصاعد الثلاثة لمبنى الجريدة. تكاثر الطلب على المصاعد بعدما انتقلت الى مبنانا في الكونكورد مكاتب التأشيرات لبلدان عدة. والمبنى مزدحم بالمصالح، حتى إن لدينا حضانة دولوكس، يصعد إليها الزبائن مع أطفالهم بالمصعد، إلى الطبقة الأولى!

ما علينا. اليوم حر مرعب، وصلت الى المبنى بعدما «زحفت» بطيئاً طلعة «الإتوال»، متقطعة الأنفاس حتى وصلت الى مدخل الكونكورد. وقفت بين المنتظرين الكثر، أنتظر المصعد بعدما كبست زر الصعود. تتأخر المصاعد كثيراً في مبنانا، لدرجة أننا ننكّت بين بعضنا البعض بأن الدوام ممكن أن ينتهي قبل أن يصل المصعد، أو أن يحل الدوام المقبل قبل أن يصلنا ساعة انصرافنا،
وخصوصاً أنه لدواع أمنية فإن الطبقة حيث نحن لا يمكن الوصول إليها إلا بالمصعد.
الى جانبي، وقف رجل متوسط العمر يمسك بيده ملفاً، يروّح به الهواء على وجهه والعرق يتصبب منه تماماً مثلنا جميعاً.
بقربه وقفت سيدة متوسطة العمر، لكنها محافظة على رشاقتها، هي الأخرى كانت تتصبب عرقاً، ربما إضافياً، لأنها كانت تعتلي كعباً عالياً لدرجة يتيح لك علوه أن ترمي بنفسك من فوقه وتنتحر! إضافة الى بنطلون أحمر ضاقت أنفاسه عليها، يتوسطه... من الخلف، سحاب.
هي بدورها، كانت تمسك بملف تروّح فيه على وجهها الى جانب من تبين أنه زوجها. تأخر المصعد... لا بل المصاعد الثلاثة، وأخيراً وصل أحدها. الا أن اتجاهه كان النزول الى الطبقات تحت الأرض. دخل من دخل في المصعد النازل، فأغلق الباب، لكن الرجل الذي كان الى جانبي، عاد وكبس زر النزول، ففتحت أبواب المصعد، وصاح من هم بداخله متعجلين أن يقفل الباب ان المصعد «نازل»، فابتعد الرجل، متوتراً وهو يرمق مؤشر المصاعد الثلاثة، التي كانت تشير كما لو نكاية به الى أنها كلها، هي الأخرى نازلة.
ما إن اقفلت الأبواب، حتى أعاد الرجل كبس زر النزول، ففتحت أبواب المصاعد الثلاثة المزدحمة وحملق من هم بداخلها بالرجل بشيء من الغضب والاستغراب. ابتعد الرجل متأملاً قليلاً، وزوجته ما زالت «تروّح» وهي تتأفف «شو هيدا؟ صرلنا ساعة ناطرين»! فما كان من الرجل إلا أن عاد وكبس زر النزول! لم أفهم! فبادرت الرجل:
« يا عم، ليه عم تكبس الزر اللي نازل؟ إنت وين رايح؟ طالع ولّا نازل؟».
هو: أنا؟ طالع!
أنا: لازم تكبس إذاً الطالع مش النازل، إنت بدك تطلع بتكبس اللي طالع.
هو: إيه بس لازم ينزل تأطلع!
أنا: عفواً... بس هيدا الزر مربوط بالأسانسور عمو، مش بحضرتك. يعني اللي طالع بتطلع معو. هوّي بيعرف إنو لازم ينزل تيطلع.
لم يعجبه الكلام. لكنه كفّ عن التكبيس. ثابرت المصاعد على النزول والتأخر بالطلوع، فما كان منه، وقد فهمت أنه يقصد إحدى السفارات، إلا أن دخل وزوجته "السكسي" مصعداً... نازلاً!
نظرت حولي، فوجدت رجلاً يستند الى الجدار بكل صبر منتظراً مصعداً طالعاً، بدا أنه ابتسم لطرافة الحوار متواطئاً، ثم قال: «فالج لا تعالج». بادلته الابتسامة الهازئة اليائسة ووجدتني أقول:
«بتعرف شو؟ يا ريت هودي الجوز تحديداً بيكونوا طالعين هجرة... أوووه أحلى خبر».
فيقول الرجل: "إيه بس بدك يعرف أيّا طيارة... إنو رايحة ولّا راجعة!.. هئ هئ هئ".

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم