في مثل هذا اليوم، قبل خمس سنوات، غفا عساف أبو رحال في راحته الأبدية في ثرى بلدته الكفير (قضاء حاصبيا). قبلها بيوم، هرع إلى العديسة للمشاركة بقلمه في مواجهة الجيش ضد العدو الصهيوني. قاتل كعادته حتى أسقطته الميركافا مع الرقيبين روبير العشي وعبدالله الطفيلي. تلك الميركافا التي طاردها يوم تحرير الجنوب على طريق كوكبا ــــ إبل السقي حتى اصطدمت بعمود كهرباء.في مثل هذا اليوم، فيما كان «المراسل الفلاح» يودع أحراج الكفير وقفران النحل والبيادر، كانت شجرة السرو في العديسة تودّع أرضها أيضاً. في اليوم السابق، ارتفع عساف إلى السماء مع الجنديين عندما اقتصوا من العدو الذي حاول قطع الشجرة الطالعة في أرض لبنانية متحفظ عليها. في مثل هذا اليوم، سقط عساف فعلياً. الجيش وافق على قطع الشجرة التي سقطت تحت جرافات العدو.
لكن الأرض الوفية لفلاحها لم ترض. اقتصّت من العدو في مزارع شبعا. في 28 كانون الثاني الفائت، استهدفت المقاومة موكباً عسكرياً. لعساف أسهم في المزارع. كان أول من شهر الحقيقة بقلمه عند التحرير، جازماً بلبنانيتها.

زحف في واد وعر لأكثر من ساعة ونصف، ليصل إلى الراعي أبو قاسم زهرة، الصامد تحت الاحتلال في مزرعة بسطرة. حمل عساف له ريحة الأهل قبل أن تطوق دورية للاحتلال المنزل وتجبره على العودة تحت وابل من الرصاص.
بين عائلة عساف والعدو حساب طويل. يرديها هو بالرصاص فتهزمه بالتحرير والصمود. في اجتياح عام 1978، أصيب والده جرجس بشظايا قذيفة، استشهد متأثراً بجروحه منها بعد أشهر. انتصر عساف عليه عام 2000. ثم انتصر مجدداً في مزارع شبعا ولمّا يزل. استرد عساف حقه. لكن ماذا عن حق روبير وعبدالله؟. في آب الفائت، استشهد رفاق وخطف آخرون في عرسال. أما آب هذا، فلا أعاد حق العديسة ولا حق عرسال.
مصطبة البيت الصغير تحت سفح جبل الشيخ لا تزال تنتصر. طيف عساف ثابت في جذوع الصنوبر وفي بزّة نجله جرجس، النقيب في الجيش الذي كان قد احتفل بتخرجه في الكلية الحربية قبل يومين. الجيش في محيا جرجس، والشعب والمقاومة في أهداب عساف. معادلة أزهرتها الشجرة المقطوعة على مدخل العديسة، بنصب تذكاري افتتحته البلدية في الذكرى الثانية للواقعة.