لن يرقى انزعاج «إسرائيل الرسمية» من جريمة حرق المستوطنين الرضيع الفلسطيني علي دوابشة في الضفة المحتلة، إلى حد التعامل مع أسباب «الإرهاب اليهودي»، وفق توصيف الإعلام العبري للجريمة في قرية دوما. فلا رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو قادر، أو حتى يريد العمل وإيذاء شركائه وجمهوره، كما أن حملة السخط التي ترافقت مع الصدمة الابتدائية لن تترجم إلى إجراءات تغير السياسة الرسمية تجاه المستوطنين، وتجتث إرهابهم واعتداءاتهم المتواصلة منذ سنين.
مثلاً، أسقط نتنياهو توصيف الإرهاب عن جريمة حرق عائلة دوابشة، فقد ساوى بينها وبين الاعتداء على مسيرة مثليي الجنس في القدس المحتلة يوم الجمعة الماضي، واصفاً «الاعتداءين الآثمين» بأنهما جريمتا كراهية، وأكد الفرق بينهما وبين الإرهاب الفلسطيني وأسلوب تعامل السلطة معه. وقال في مستهل جلسة الحكومة الإسرائيلية أمس، إنه خلافاً لما يقوم به جيراننا فإننا نستنكر مثل هذه الممارسات وما يفعله المجرمون من أبناء شعبنا، في الوقت الذي يقوم فيه جيراننا بإطلاق أسماء قتلة على الميادين في المدن.
في هذا الإطار، أوضح نتنياهو أنه أصدر تعليماته إلى الأجهزة الأمنية المختصة باتخاذ الخطوات اللازمة واستنفاد الإجراءات القانونية مع مرتكب «اعتداء الطعن في القدس» (خلال مسيرة مثليي الجنس) و«مرتكبي الاعتداء» بإضرام النار في دوما الفلسطينية.
وإذا كان الرئيس الإسرائيلي، رؤفين ريفيلين، قد أقر بوجود حالة من التراخي ضد الإرهابيين اليهود وأكد ضرورة أن «نسأل بجرأة عن أجواء التسامح تجاه من نطلق عليهم بسذاجة أعشاباً ضارة في حديقتنا»، فإنه أشار إلى أنه «لا يمكن إخماد الحريق بالاكتفاء بحملات الإدانة اللفظية». حتى هذا الإقرار الذي عرضه ريفيلين، قوبل أمس بحملة إدانة واسعة في إسرائيل وصلت إلى حد التهديد بالقتل وتسميته بـ«أحمد ريفيلين مثير الاشمئزاز»، بل هو «خير رئيس للعرب وليس لليهود»، فيما طالبه آخرون بالاستقالة من منصبه لأنه «لم يعد يمثل الشعب اليهودي».
في المقابل، كشف زعيم المعارضة في الكنيست ورئيس حزب «العمل»، يتسحاق هرتسوغ، عن وجود حالة من «الالتفاف» على جريمة حرق العائلة الفلسطينية، مطالباً بضرورة تسمية الأمور بمسمياتها، وتصنيف «العصابات اليهودية المتطرفة كجماعة خارجة عن القانون». وقال: «علينا القيام بخطوات عملية لمحاربة الإرهاب اليهودي، وهو تماماً إرهاب يشبه إرهاب الجماعات الإسلامية المتطرفة»، ثم توجه للإعلام العبري قائلاً: «على الصحافة أيضاً أن تستعمل هذه المصطلحات».
كذلك طالبت عضو الكنيست عن حزب «المعسكر الصهيوني» ووزيرة الخارجية السابقة، تسيبي ليفني، بضرورة التحرك ضد الإرهاب اليهودي... «تماماً كما نتحرك ضد الإرهاب العربي»، محذرة في حديث مع إذاعة الجيش الإسرائيلي من أن المسألة لا تتعلق بمجرد حفنة من الإرهابيين، بل بـ«بيئة تسمح لهم بالازدهار والتطور».
مع ذلك، واصل المسؤولون في تل أبيب التقيد بإطلاق المواقف والتصريحات الهادفة إلى احتواء الجريمة ومنع تداعياتها، من دون التحرك الفعلي ضد أسبابها... فقد أعلن وزير الأمن، موشيه يعلون، أنه أوعز إلى الأجهزة الأمنية باعتقال المشتبه فيهم إدارياً، فيما صرح مصدر أمني رفيع للإذاعة العبرية بأنه سيصار إلى اكتشاف مرتكبي «الاعتداء»، قائلاً: «سنتعامل معهم على غرار تعاملنا مع الفلسطينيين، وسنعتقلهم إدارياً في حال توافر معلومات استخبارية مؤكدة وموثوقة، وسنمنع لقاءهم بمحامين».
وتأكيداً على أن الأقوال لا تتحول إلى أفعال، فإنه في الوقت الذي كشفت فيه القناة الثانية العبرية عن مصادر عسكرية أن هناك «بداية تقدم» في التحقيقات الجارية حول الجريمة، أشارت إلى أن منفذي جريمة الحرق هم اثنان من مستوطني «ايش قوديش» القريبة من دوما، ولافتة إلى أنهما من مئات المستوطنين المتطرفين، الذين قالت إنهم يعملون بتنسيق منظّم مع تخطيط مسبق لأفعالهم.

واجهت أقوال ريفيلين اعتراضات شديدة وصلت إلى حد مطالبته بالاستقالة

تحديد هوية الفاعلين، إضافة إلى تحديد المستوطنة التي خرجوا منها، دفعا صحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى إبراز «الأسئلة الفلسطينية»، فوجهتها إلى قائد المنطقة الوسطى وقادة الألوية في الجيش، وأيضاً إلى منسق عمليات الحكومة في المناطق (الفلسطينية المحتلة): لماذا لم تنشروا الحواجز في المنطقة؟، ولماذا لم تفرضوا الحصار (على المستوطنة)؟، ولماذا لم تفتشوا بيوت المستوطنين؟، وخاصة أن وزير الأمن وقاعدة الأجهزة الأمنية وعدوا بأنهم سيتعاملون مع الفاعلين، تماماً كما يتعاملون مع الفلسطينيين.
برغم ذلك، كان للجريمة صدى واسع في الإعلام الإسرائيلي، واحتلت القضية صدر الصحف الرئيسية، وبرز من التعليقات ما ورد في صحيفة «إسرائيل اليوم»، للمعلق العسكري يوآف ليمور، الذي أكد أن «الإرهاب اليهودي خرج بالفعل عن السيطرة». وقال ليمور إن ما يقلق المؤسسة الأمنية هو تقييد يدها في مواجهة المتطرفين من المستوطنين، فـ«عشرات العمليات الإرهابية ضد الفلسطينيين نُفذت في السنوات الماضية، ولم يتم حل ومعرفة مرتكبي عدد كبير منها، وفي الحالات التي تم اكتشاف منفذيها جاءت العقوبات مثيرة للسخرية».
وأشارت «إسرائيل اليوم» إلى أنهم في «الشاباك» (جهاز الأمن العام الداخلي) يقولون إن النيابة العامة والمحاكم تتعاملان بتساهل مع التطرف والإرهاب من اليمين الإسرائيلي، ويضيفون إن الحل المطلوب أعمق بكثير، ويتطلب «مواجهة حاخامات يحرضون على العنف». لكن قبل أي شيء آخر، المطلوب إطلاق يد الأجهزة الأمنية وعدم تقييدها، وإلا فسنستيقظ ذات صباح لنجد «أنهم ارتكبوا فظائع لا يمكن تخيّلها».
وكانت قناة الكنيست الإخبارية قد أجرت استطلاعاً للرأي بين الإسرائيليين، أظهر تفاوتاً في النظرة حيال عقوبة إعدام القتلة، بين كونهم يهوداً أو فلسطينيين. وبحسب نتائج الاستطلاع، فإن معظم اليهود في فلسطين المحتلة يؤيدون إنزال عقوبة الإعدام بحق فلسطينيين يدانون بقتل يهود، لكنهم يعارضون الإعدام ليهودي يقتل فلسطينياً. وأظهرت نتائج الاستطلاع أن أكثرية 56% من الإسرائيليين يعارضون إنزال عقوبة الإعدام باليهود إذا قتلوا فلسطينيين، مقابل 28% يؤيدون. كما أكدت الأكثرية أيضاً، التي وصلت إلى 6% تأييدها إنزال عقوبة الإعدام بفلسطينيين في حال إقدامهم على قتل يهود.