ليس تفصيلاً بسيطاً أن يخرج نواب محسوبون على تيار المستقبل ليتوعدوا ويهدّدوا بالويل والثبور وعظائم الأمور أي شاحنة نفايات آتية من بيروت بهدف تفريغ حمولتها في طرابلس أو عكار، رافضين مناشدات قيادات الصف الأول من التيار الأزرق وزملائهم نواب العاصمة لإنقاذهم من ورطتهم.
حتى وقت قريب جدّاً، كانت طلبات آل الحريري لدى هؤلاء أوامر، وكانت الكلمة الصادرة من قريطم أو «بيت الوسط» لا تنزل الأرض. لكن بعض النواب رفعوا صوتهم أخيراً في وجه أولياء نعمتهم، واعتراضهم عليهم عكس مزاجاً مستجداً في أوساط التيار الأزرق وقواعده، وهو مزاج كان مكتوماً ومكبوتاً. وما بروزه بهذا الشكل الحاد إلا دلالة على وجود استياء كبير كان ينتظر الفرصة للتعبير عن نفسه. وعندما حانت الفرصة المتمثلة في قضية نفايات العاصمة ومحيطها خرج هذا الاستياء إلى العلن، وبحدّة.
من سمع بعض نواب طرابلس وعكار ممن يدورون في فلك تيار المستقبل، وهم يبدون اعتراضهم بقوة على استقبال نفايات بيروت في مناطقهم، يظنّ للوهلة الاولى أن هؤلاء يقفون على حدود بلادهم ومناطقهم للذود عنها في وجه غزاة. النائب معين المرعبي قال إن «موضوع النفايات قيد المراقبة المشدّدة لمنع إدخال أي نفايات من خارج عكار لأي سبب كان»، والنائب محمد كبارة أكد «أنه لن نسمح لشاحنات النفايات بأن تعبر في طرابلس، وسنتصدى لها وسنعيدها من حيث انطلقت»، بعدما كان النائب خالد ضاهر قد شنّ هجوماً من العيار الثقيل، متوجهاً إلى «كل من يفتح فمه بأنه يريد إرسال الزبالة إلى عكار، أقول له: سدّ بوزك وخليها في عبّك وفي فمك».
مصادر في تيار المستقبل أوضحت لـ»الأخبار» أن «أسباباً عديدة تقف وراء هذا الارتباك الذي نعانيه هذه الأيام على مختلف الصعد، أولها وجود الرئيس سعد الحريري خارج لبنان، وثانيها عدم قدرة الآخرين من داخل التيار على ملء الفراغ الذي تركه، وثالثها الأزمة المالية الخانقة التي نعانيها وجعلت بعض الموظفين لا يقبضون رواتبهم منذ أشهر عدة، ورابعها الخلافات الداخلية التي تشلّنا، ما أثر سلباً على أدائنا وسبّب انقطاع التواصل بيننا وبين قواعدنا، وفي تراجعنا، وهي أمور يعدّ تجاهلها بمثابة دفن للرؤوس في الرمال».
غير أن معارضي التيار الأزرق يرون الأمر من زاوية أخرى، فيلفتون إلى أن «شعبية تيار المستقبل قامت أساساً على عناصر المال والتحريض المذهبي واستغلال دماء عدد من الشهداء، وعلى رأسهم الرئيس رفيق الحريري، من غير وجود أي مشروع سياسي أو عصبية سياسية، وأن هذه «الأسلحة» إما نقصت ذخيرتها أو تراجع مفعولها».
ورأى هؤلاء المعارضون أن «هذا الواقع أوقع تيار المستقبل في مشكلة معقدة لن يخرج منها سريعاً، ولا معافىً، ما انعكس تراجعاً حادّاً في شعبيته وجعل بعض نوابه وكوادره يبرزون اعتراضاتهم، وأن يتقدم آخرون منافسون له لملء الفراغ الذي سبّبه تراجعه، فطبيعة الأشياء لا تتقبل الفراغ، ولو كان جزئياً».
ويبرز المعارضون ما يعتبرونه «دليلاً حسّياً» على هذه القراءة، فيشيرون إلى أن الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري «بات بسبب تقاعس نواب ومنسقي وكوادر تياره عن القيام بدورهم وواجباتهم، سياسياً واجتماعياً، يقوم هو شخصياً بزيارات عزاء وأفراح ونسج علاقات اجتماعية لسدّ هذا العجز بشكل جعله يبدو وكأنه سياسي مبتدئ أو سياسي مغمور يسعى إلى التعريف عن نفسه قبل خوض انتخابات ما، ناسياً أنه أمين عام لأكبر الأحزاب السياسية في لبنان».