أبقت وكالة التصنيف الدولة «موديز» على تقويم «سلبي» في إطار رؤيتها المستقبلية لمصارف لبنان. الوكالة توصلت إلى تحليل للمعطيات يشير إلى أن معدلات الرسملة لدى المصارف ستبقى على حالها خلال السنوات الثلاث المقبلة، بسبب المؤونات التي تأخذها المصارف من أجل امتصاص الخسائر في القروض. وبحسب «فحص الضغط» الذي أجرته «موديز» بناء على مقاربة متعددة العناصر، فإن نسبة القروض المشكوك بتحصيلها ستبلغ 20%، أي أنها ارتفعت إلى المعدلات التي كانت عليها في عام 2003 «وبالتالي ستكون هناك حاجة لتمويل رؤوس أموال القطاعات بما يوازي 21 ألف مليار ليرة، اي ما يعادل 30% من الناتج المحلي الإجمالي».
التعثّر سيدّ القروض

وأوضحت الوكالة أن قدرة الزبائن على السداد ضعفت، ويستدل على ذلك من خلال توسّع الفترة الزمنية لاستحقاقات القروض التي كانت تبلغ 30 شهراً في 2009 ثم ارتفعت إلى 50 شهراً في 2014. أما استحقاقات محافظ التجزئة فقد امتدّت إلى 70 شهراً.
هذا المؤشّر على نوعية الأصول لدى المصارف اللبنانية سببه تراجع أسعار العقارات والضعف الذي أصاب الإنشاءات. «خلال الأشهر الـ 18 المقبلة، يتوقع أن تزداد قيمة المؤونات التي تأخذها المصارف في هذا المجال، وأن تزداد معدلات القروض المتعثّرة بمعدل 1%، أي من 4% من إجمالي التسليفات إلى 5% منها». كذلك ستزداد «مديونية الأسر في ظل قدرة ضعيفة على خلق الوظائف، بالإضافة إلى تقادم محافظ التجزئة، ما يزيد الضغوط خلال الفترة المقبلة».
يضاف إلى ذلك أن عمليات الإقراض الجديدة ستكون «مقيدة بالحذر من الانكشاف على قروض التجزئة، وضعف الاستثمارات الخاصة، وخصوصاً أن المصارف تعمل في بيئة تواجه ضغوطاً كبيرة».
وفي ظل هذا الوضع، باتت معدلات الربحية خاضعة للضغوط «بسبب تراجع الدخل الناتج من الفوائد، بالإضافة إلى ضعف الدخل الناتج من العمولات بسبب الأثر الذي تركته بيئة التشغيل الضعيفة على الأعمال الجديدة». ويتوقع أن يسجل مؤشّر «العائد على متوسط الأصول» لدى المصارف، ما بين 0.9% و-1.1%. ولا بد من الإشارة إلى أن زيادة الفوائد الأميركية ستنعكس على المصارف التي لديها سيولة كبيرة بالدولار. وبالتالي «على المصارف أن تلحق بمعدلات الفائدة الأميركية للحفاظ على سقف أعلى يتيح استقطاب الودائع».
وتبيّن أن معدلات السيولة المصرفية في لبنان تبلغ 20% من الودائع، وهي مكوّنة من السيولة النقدية، ومن الاحتياطات الإلزامية المودعة لدى مصرف لبنان وودائع المصارف لدى المصارف المركزية والمصارف الكبرى حول العالم. وقد أصبحت السندات السيادية، وشهادات الإيداع الصادرة عن مصرف لبنان وإيداعات المصارف لدى مصرف لبنان غير تلك المتصلة بالاحتياط الإلزامي، كلها تمثّل 45% من الأصول في القطاع المصرفي.

الانكشاف السيادي

لدى «موديز» المزيد. تعتقد الوكالة أن المصارف اللبنانية ليس لديها سوى خيار زيادة انكشافها على الدين السيادي الذي يعدّ «المصدر الأساسي للخطر». ويقول تقرير الوكالة: «نتوقع أن تقوم المصارف بزيادة انكشافها على الدين السيادي. نحن نرى أن الانكشاف الكبير على هذا الدين، هو مصدر الخطر الأكبر الذي يواجه المصارف نظراً لأنه يربطها بالائتمان السيادي، وطالما أن الدولة تعرّض نفسها لمخاطر عجز كبير في الموازنة، فإنها تعتمد على المصارف لسدّ الفجوة المالية الناتجة من العجز».

ارتفع حجم انكشاف
المصارف على الدين السيادي
إلى 80 مليار دولار


ويقول ألكسيوس فيليبيدس، محلل وكالة موديز الرئيسي عن المصارف اللبنانية: «نحن نتوقع أن تبقى بيئة التشغيل للمصارف اللبنانية ضعيفة. ولا تزال التحديات الرئيسية للمصارف اللبنانية متصلة بالانكشاف على الدين السيادي، والضعف في الربحية. المصدر الأساسي للمخاطر الائتمانية ناجم عن تزايد تعرّض المصارف اللبنانية للدين السيادي المصنّف (B2 سلبي). نقدّر أنه اعتباراً من نيسان 2015، شكّل انكشاف المصارف على الديون السيادية ما يعادل 2.6 مرة الأموال الخاصة الأساسية المعبّر عنها بـ 1 Tier».
وقد ارتفع حجم انكشاف المصارف على الدين السيادي «إلى 80 مليار دولار»، فيما تمثّل الديون السيادية «أكبر مكوّن في ميزانيات المصارف وهي توازي 45% من مجمل الأصول المصرفية، وتعادل 5 أضعاف الأموال الخاصة الأساسية».
تأتي كل هذه المؤشرات السلبية، رغم أن الاقتصاد اللبناني «أظهر بعض علامات الاستقرار، بما في ذلك انتعاش طفيف في السياحة وأثر إيجابي ناتج من انخفاض أسعار النفط وانخفاض سعر العملة الأوروبية، إلا أن بيئة التشغيل الهشّة ستستمرّ بالتأثير على أداء المصارف اللبنانية خلال الأشهر الـ 18 المقبلة، ولذلك فإن الرؤية المستقبلية لتصنيف لبنان ستبقى سلبية. ويعبر التصنيف عن توقعات موديز لتطور الجدارة الائتمانية خلال الفترة المقبلة، لكنها لا تشكّل أي إجراء أو خطوات متصلة بالتصنيف».
في الواقع، «تستفيد المصارف من تثبيت سعر صرف الليرة، وهو ما يدعم ثبات التدفقات المالية. إن احتياطات مصرف لبنان سجّلت رقماً قياسياً يبلغ 34 مليار دولار، وهي توازي تمويل واردات لبنان لمدّة 19 شهراً».

الأمل في تحويلات المغتربين

أما على صعيد الاقتصاد الكلي، فتتوقع موديز أن «يبقى العجز في الموازنة مرتفعاً عند 8% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2015، فيما الحكومة تعتمد على القطاع المصرفي المحلّي للحصول على تمويل الفجوة المالية بين إنفاقها وإيراداتها. كذلك نتوقع ضعفاً في الأعمال ربطاً بالزيادة الحاصلة في معدلات نمو الإقراض والتي تقل عن 5% رغم حزمات الدعم التي قام بها المصرف المركزي، علماً بأن معدل نموّ القروض كان في السنوات الخمس الماضية 24%».
وتتوقع الوكالة «نموّ الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمعدل 2.5% في 2015، مقارنة مع 2% في 2014، أي أقل بكثير من المتوسط المسجّل بين عامَي 2007 و2010 بنسبة 9%، وأن تستمر مستويات رأس المال في التحسّن، بسبب تطبيق قواعد بازل 3، وأن يستمر تدفق الودائع. حالياً، بلغت ودائع الزبائن أكثر من 80% من التزامات النظام المصرفي، وهي مدعومة بتدفقات تحويلات المغتربين التي تعادل ما بين 15% إلى 20% من الناتج المحلي الإجمالي على أساس سنوي. هذه التحويلات متواصلة، ويتوقع البنك الدولي أن تبلغ 9 مليارات دولار أو ما يوازي 19% من الناتج المحلي الإجمالي».