في خضم النقاشات العقيمة حول أزمة النفايات، وفي زحمة الخطط والخطط المضادة، نسي صنّاع القرار أو تناسوا أن اللجان النيابية المشتركة بدأت في تشرين الأول ٢٠١٣ مناقشة مشروع قانون متعلق بالإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة، بعد مرور أكثر من ٢٠ شهراً على إحالته إلى مجلس النواب. قد ينتظر القانون سنوات طويلة قبل أن يصبح نافذاً، لكن ذلك لن يغير الكثير في مسار الإدارة الفعلية للنفايات التي تطرح الخطط المكلفة، وآخرها خطة إنشاء المحارق لنفايات بيروت والضاحيتين التي يتوقع أن يعاد طرحها على طاولة مجلس الوزراء يوم غد الخميس.
وعلى عكس ما يتصوره البعض، أن «المحارق» هي الحل الإنقاذي للعاصمة، يتوقع أن تواجه المحارق باعتراضات أوسع من تلك المتعلقة بالمطامر، خصوصاً عند اقتراب لحظة الحقيقة، وإعلان العقار الذي سيستضيف هذه المحرقة، وما إذا كانت الحكومة لا تزال مقتنعة بخيار إنشائها في منطقة الكرنتينا.
في اليوم الذي أعلن فيه الرئيس نجيب ميقاتي استقالة حكومته في ٢٢ آذار ٢٠١٣، كان نائبه سمير مقبل قد أرسل إليه تقريراً يشرح مسار الخطة الوطنية الشاملة التي اعتمدت تقنية التفكيك الحراري للنفايات في المدن الكبرى، التي أُقرت في عام ٢٠١٠، ودمجها مع الخطة الأساسية لعام ٢٠٠٦، وتعتمد تقنية طمر النفايات.
يستند التقرير إلى نتائج المرحلة الأولى من الدراسة التي أعدتها شركة رامبول الدانماركية التي تعاقد معها مجلس الإنماء والإعمار، لإجراء دراسة جديدة عن وضع النفايات في لبنان، ومراجعة الدراسات المنفذة سابقاً، واقتراح مواقع لزوم إنشاء محارق ــ مراكز التفكيك الحراري، وتحديد الكلفة العائدة للمشروع واقتراح حوافز جديدة للبلديات (يلاحظ أن عبارة حوافز طُمست في الخطة الجديدة لحكومة الرئيس تمام سلام).

تبلغ كلفة إنشاء
أربع محارق ٩٥٠ مليون دولار


اقترحت الخطة أن تكون معالجة النفايات مسؤولية مركزية تموَّل من الموازنة العامة للدولة. ويتبين وفق الخريطة المرفقة بالخطة، اقتراح إنشاء أربع محارق للنفايات على طول الساحل اللبناني، ثلاثة منها قرب معامل الكهرباء (دير عمار في الشمال، الجية في الوسط، والزهراني في الجنوب). أما المحرقة الرابعة، فقد اقترحت الخطة أن تكون في منطقة الكرنتينا، ولم يعرف السبب الذي دفع واضعي الخطة إلى استبعاد منطقة الزوق التي يوجد فيها معمل حراري للكهرباء، وإلى ماذا استندوا لتقديم خيار الكرنتينا.
وفيما تتصرف اللجنة الوزارية، خلال اجتماعاتها التي عقدت على مدى اليومين الماضين، على أساس أن العودة إلى المحارق هي نتيجة حتمية لتعذر إيجاد مطمر لبيروت، يتبين أن خطة رامبول تنص على تحديد مطامر للرماد الثقيل والمتطاير الناتج من حرق النفايات، أي ما نسبته ١٣ بالمئة من إجمالي النفايات، يصنف ٣ بالمئة منها مواد سامة ينبغي معالجتها وفق طرق خاصة قبل طمرها. وحددت الخطة مطمراً للرماد الناتج من محرقة الكرنتينا في حبالين – جبيل، ومطمراً للرماد السام الناتج من محرقة دير عمار في مجدليا - زغرتا، فيما تركت للبلديات تحديد موقع لطمر الرماد السام الناتج من حرق النفايات في محرقة الزهراني. أما الرماد السام الناتج من محرقة الجية، فاقترحت طمرها في مطمر الناعمة – عين درافيل المفترض أنه سيكون مغلقاً ومعالجاً حين تشغَّل المحرقة!
وتبلغ كلفة إنشاء أربعة محارق ٩٥٠ مليون دولار، فيما تبلغ كلفة تشغيل كافة الإنشاءات ١١٤ مليون دولار سنوياً. واحتُسبت كلفة التشغيل والصيانة للمحارق بعد حسم مردود إنتاج الطاقة الكهربائية البالغة ٥٠ دولاراً للطن الواحد، مع الإشارة إلى أن قدرة كل معمل تصل إلى ٤٨ ميغا واط في أقصى حد، بشرط حرق جميع المواد القابلة لإعادة التدوير، وتسبيخ ما لا يقل عن ٢٠ بالمئة من المواد العضوية للحفاظ على القيمة الحرارية للمحرقة.
هذا يعني أن خيار الحرق لا يستبعد خيار إنشاء معمل لتسبيخ المواد العضوية، ولا يستبعد خيار الطمر للرماد الناتج من الحرق. وتقدّر الدراسة أن ناتج الرماد من محرقة بسعة ٢٠٠٠ طن يومياً يبلغ ٢٠٠ طن من الرماد الثقيل وقرابة ٥٠ طناً من الرماد المتطاير، أي إن محرقة بيروت الموعودة تحتاج إلى مطمر يستقبل يومياً ٢٥٠ طناً يومياً من الرماد، بينها ٥٠ طناً بحاجة إلى معالجة خاصة وطريقة خاصة للطمر، بعد صبه في مكعبات إسمنتية لتعذر طمره عشوائياً، لكونه يصنف من النفايات السامة والبالغة الخطورة.
وفيما تقترح الحكومة تقصير المهلة والتعجيل بإتمام الجزء الثاني من دراسة الاستشاري رامبول، البالغة تسعة أشهر ونصف شهر، علمت «الأخبار» أن مجلس الإنماء والإعمار لم يبلغ الاستشاري الدانماركي حتى يوم أمس، قرار مجلس الوزراء المتخذ مطلع العام الحالي بإتمام الدراسة! علماً بأن الحكومة أقرت مبدأ التفكيك الحراري، على أن يعتمد في مرحلة ثانية من الخطة، أي بدءاً من عام ٢٠٢٠، على أن تنجز ملفات التلزيم العائدة إلى هذه المرحلة بتاريخ ٣٠ آذار ٢٠١٥. وبعملية حسابية بسيطة، إن التأخير الحكومي لفترة تزيد على عام في الشروع بتلزيم إعداد دفاتر الشروط للمرحلة الثانية لأكثر من عام ونصف، يجعل من المستحيل البدء بتشغيل «محرقة بيروت الموعودة» قبل عام ٢٠٢٢ وفق أكثر السيناريوات تفاؤلاً! والسؤال هو: كيف تسوّق اللجنة الوزارية حالياً أن هذا الحل سيكون مباشرة بعد الفترة الانتقالية التي تنتهي في ٣١ كانون الثاني ٢٠١٦؟ وأي استخفاف بعقول المواطنين تمارسه الحكومة العتيدة.
النقطة الأهم في ما يعرف بخطة المحارق، أن تمويل كافة الإنشاءات سيكون من قبل الدولة، على أن يقوم ببنائها القطاع الخاص الذي سيتولى بدوره عمليتي التشغيل والصيانة مقابل مبلغ يتقاضاه عن كل طن من النفايات، على أن تكون الشركة المكلفة بناء الإنشاءات هي نفسها المكلفة عمليتي التشغيل والصيانة، وتبقى ملكية الإنشاءات للدولة. وتطلب الخطة أيضاً تكليف وزارة الطاقة والمياه اقتراح نص تشريعي يؤمن حق القطاع الخاص بإنتاج وبيع الطاقة المنتجة من حرق (تفكيك) النفايات. ويلاحظ أن هذا النص التشريعي الملزم لنجاح أي خطة، بما فيها الخطة الحالية، لم تستعجله الحكومة كشرط لنجاح أي خطة تقوم على مبدأ استرداد الطاقة RDF أوتحويل النفايات إلى طاقة، خصوصاً أن الاستشاري يشترط إقرار القانون قبل إنجاز دفتر الشروط الخاص بتلزيم هذه الأشغال. أما لماذا لم تُكلَّف وزارة الطاقة اقتراح هذا القانون منذ أن أقرت الخطة عام ٢٠١٠؟ فالجواب عند وزارة الطاقة نفسها التي تبدو غير معنية بالطاقة الناتجة من النفايات!