المباراة المفتوحة لدخول ملاك التعليم الثانوي الرسمي عبر مجلس الخدمة المدنية مجرد بحصة في بازار التعاقد الذي حوّل 40% من جسم هذا التعليم إلى متعاقدين يفتقدون للأمان الوظيفي. البحث عن هذا الأمان كاد يكون السبب الأبرز وراء مشاركة شباب لبنانيين متخصصين في العلوم الإدارية والاقتصادية في مباراة مادة الاقتصاد التي جرت السبت الماضي في المجمع المهني ـ بئر حسن.

قلة هم مثل غنى عبدو التي قالت إنها المباراة الثالثة لمجلس الخدمة التي تخوضها إرضاءً لوالدتها فقط، في ما عدا ذلك هي غير مقتنعة بوظيفة الدولة "لأنو بتضلك محلك". تعمل غنى حالياً مدققة مالية في الجمعية اللبنانية لديموقراطية الانتخابات، وترى أنّ القطاع الخاص يوفر فرصاً أفضل للترقي الوظيفي. إلّا أنّ هذا ليس رأي علي الموسوي الذي يتعاقد اليوم مع إحدى وكالات الأمم المتحدة ويقول إنها "وظيفة غير ثابتة ويستطيعون في أي وقت أن يقولوا لي الله معك". ومع أنّه يعتقد أنّ المباراة ليست فرصة، بل هي كمن يشتري سمكاً في البحر، يشير إلى أنّ من يحالفه الحظ وينجح يكون قد حظي بوظيفة فئة ثالثة باجتياز مسابقتين فقط: الثقافة العامة ومادة الاختصاص. السبب الذي دعا زينب الحسيني إلى الترشح للمبارة، كما تقول، أنها نالت شهادة الاقتصاد منذ ثماني سنوات ولم تعثر على عمل حتى الآن. لا تعوّل رنا إبراهيم كثيراً على النجاح، فهي أتت فقط لكي لا تقول "يا ريت" في المستقبل، وإلّا فكيف سأجد فرصتي هنا وهم يطلبون فائزين اثنين فقط من أصل 98 مرشحاً في محافظة بيروت حيث أترشح للمباراة. في المقابل، يراهن بلال على هذه الوظيفة "إذا بقي الأمر محصوراً بالمنافسة العلمية"، لكنها ستكون بالنسبة إليه فترة انتقالية في رحلة البحث عن الأفضل دائماً، وبانتظار استكمال دراساته العليا ونيل الدكتوراه.

التقدم لمباراة مجلس الخدمة المدنية كمن يشتري سمكاً في بحر

الحوافز والضمانات الصحية والاجتماعية وليس الراتب هي ما يجذب أيمن علامة لينتقل من التعاقد مع التعليم الخاص إلى ملاك الوظيفة العامة. يسأل ما إذا كان طبيعياً أن تغيب المباراة المفتوحة 11 سنة، أي منذ المباراة المحصورة بالمتعاقدين في التعليم الثانوي الرسمي في عام 2004، إذ لم يطلبوا مادة الاقتصاد في مباراة 2008 المفتوحة.
الآمال التي عقدها الكثيرون على المباراة اندثرت مع مسابقة العلوم الاقتصادية، إذ لم يتوقع الممتحنون أن تأتي الأسئلة بنسبة 60% من المقررات الجامعية والنسبة الباقية من منهاج التعليم الثانوي. منهم من وصفها بالتعجيزية والصعبة والمعقدة، ومنهم من قال إنها سهلة لمن اطلع على كتب سنوات الإجازة الجامعية ولم يقتصر استعداده على كتب المرحلة الثانوية فقط. انتظر المرشحون أن تشبه الأسئلة ما جاء في مباراة 2004 المحصورة، أي أن تكون متنوعة وموزعة على محاور عدة (نظريات اقتصادية، تحليل، إدارة، اشكاليات اقتصادية)، ففوجئوا بأنّها قائمة على محور واحد: عمليات اقتصادية، باستثناء السؤال المتعلق بدور المصرف المركزي. انسحب كثيرون بعد نصف ساعة من بدء المسابقة التي استغرقت 4 ساعات. خرجت إحداهن تقول: "أشعر بأن مجلس الخدمة المدنية سيكتب لم ينجح أحد، باعتبار أن الثقل الأساسي هو لمادة الاختصاص، أي 80 من 100". وعلّق آخر قائلاً: "إن ما أعلنه مجلس الخدمة، أنّ المسابقات من منهاج الثانوي ولكن بمستوى جامعي، كان مخادعاً لجميع المتقدمين الذين انسحب نصفهم أثناء المسابقة".
مصادر مجلس الخدمة تقول إنّ تعليمات المجلس كانت واضحة للمرشحين، أي إنّ نظام المباراة سيكون بمستوى جامعي، وهذا ما حصل، والمسابقة تعتمد أساساً منهج الاقتصاد، وبالتالي إنّ من يحمل إجازة في إدارة الأعمال أو المحاسبة أو التمويل تكون حظوظه أقل في النجاح، وهذا ما يفسر نسبة الغياب التي تزيد على 50%، أما من يحمل شهادة في الاقتصاد ومستواه جيد، فيعالج المسابقة بسهولة، في ما عدا ذلك فإنّ مجلس الخدمة لن يُسهم في إضعاف مستوى التعليم الثانوي الرسمي.
وفي دراسة للمجلس يتبين أن نحو ثلث المرشحين الذين يتقدمون لأي مباراة يكونون عادة غير جديين والثلث الثاني لا يدرس والثلث الثالث يكون جدياً ويستعد جيداً للاستحقاق.
في مجال آخر، لم تلق مسابقة الثقافة العامة اعتراضاً من المرشحين، علماً بأنّ البعض قال إنّ السؤال مفتوح وعام ولم نعرف ما إذا كنا سنوظف في كتابتنا معارفنا في الاقتصاد. أما السؤال فهو: "العاقل إذا سقط على الأرض فعليها يعتمد لينهض، فهل ترانا بعد قادرين على أن نعتمد على العلم لننهض مما نعانيه نتيجة إساءتنا توظيفه لخدمة الإنسان؟ وكيف؟".
في أي حال، سُجلت المباراة المفتوحة إنجازاً للرابطة السابقة لأساتذة التعليم الثانوي، إذ كان مقرراً أن تنجز في عام 2013، حيث بدأ تقديم الطلبات ثم توقف بسبب خروج رئيس مجلس الخدمة القاضي خالد قباني إلى التقاعد، ثم أتت الرابطة الحالية لتستأنف هذا المشروع الذي يلقى اعتراض اللجنة العليا للمتعاقدين برئاسة حمزة منصور، بسبب "المنافسة غير المتكافئة". لكن مع كل ذلك استطاع أن يكسر قرار وقف التوظيف المنصوص عليه في مشروع سلسلة الرتب والرواتب.