تشعر بأنك أهم من غيرك؟ تود أن تجلس في الصفوف الأمامية للاحتفالات؟ تحلم بأن تُفتح لك صالات الشرف في المطارات؟ يعنيك تزيين سيارتك بنمرة مميزة؟ تشعر بأن الآخرين لا يحترمونك لشخصك بما فيه الكفاية؟ حسناً؛ الحل سهل: تدبّر قنصلية!هذا الإعلان لم ينشر بعد في «الوسيط» أو «الهدف» أو غيرهما، إلا أن صالونات السياسيين ورجال الأعمال تضج به منذ سنوات، وثمة سماسرة معتمدون لهذا الغرض.

«تحقيق نفسك» يتأمن عبر أربع خطوات: أولاً، إيجاد جزيرة مستقلة وراء أحد المحيطات ربما لم يسمع بها أحد. ثانياً، اكتشاف الوسيلة الأنسب للوصول إلى ملكها: ألماسة نادرة أو ساعة «رولكس» أو عشرات آلاف الدولارات سنوياً. ثالثاً، تبييض وجهك مع وزارة الخارجية والأجهزة الأمنية لضمان الموافقة على ترشيح الدولة المعنية لك. رابعاً، تخصيص غرفة في منزلك للقنصلية وشراء سيارة تليق بـ»النمرة» البيضاء وبذلة رسمية وحذاء أبيض وجوارب رمادية وساعة مع سلسلة تعلق بالخصر... لتجد نفسك قنصلاً في بلد يحب القناصل والسفراء إلى حد الثمالة.
يبلغ عدد قناصل لبنان الفخريين حول العالم 44، أما قناصل الدول الأجنبية الفخريون في لبنان فعددهم 102 أثبتوا أنفسهم في مجالات مختلفة لدى هذه الدول فكافأتهم بتعيينهم قناصل فخريين في بلدهم. وبعيداً عن الوجاهة، فإن في وسع القناصل الفخريين لعب دور في إنعاش اقتصاد بلدهم الأم، لبنان، عبر تطوير علاقات لبنان بالبلدان التي انتدبتهم لـ»تمثيلها»، وتوفير فرص استثمارية واستقطاب السياح أو تسويق وجهات سياحية جديدة، وهو ما يقوم به بعض الجدّيين منهم. إلا أن كثيرين يكتفون من المنصب بـ»البريستيج». على سبيل المثال، عميد السلك القنصلي ومؤسسه جوزف حبيس، القنصل العام لسنغافورة، الذي يكاد يدخل موسوعة «غينيس» لحفاظه على موقعه كل هذه السنوات، شغلته هموم العمادة عن تطوير علاقات لبنان بسنغافورة، الدولة الأقل فساداً في العالم بحسب منظمة الشفافية الدولية ورابع أهم مركز مالي عالمي. عقد هذا البلد اتفاقيات تجارة حرة مع عدد هائل من البلدان من نيوزيلندا إلى الهند، مروراً بغالبية الدول العربية... إلا لبنان.

عدد قناصل لبنان الفخريين
في العالم 44 وقناصل الدول الأجنبية الفخريون في لبنان 102
أما صاحب معهد ATC ابراهيم حداد، رئيس بلدية غزير في الآن نفسه، فقد كان نشاطه الأبرز كقنصل فخري لموزمبيق في السنوات الخمس الماضية تخريج دفعة من طلاب معهده (!)، كما ورد في مجلة «السلك القنصلي». النشاط الأبرز لقنصل البيرو فيفيان مشّاقة كان استيراد نبيذ من البيرو لمزاحمة النبيذ اللبناني، فيما يُسجّل للقنصل ظافر شاوي سعيه لتوطيد علاقة لبنان وفنلندا. كيف؟ عبر مرافقة الرئيس الفنلندي سولي نينيستو إلى بعبدا حين زار لبنان لتفقد قوات بلاده العاملة ضمن اليونيفيل (!) مثل هذه «الأنشطة» كثير، ويمكن الاطلاع عليه في زاوية «نشاطات القناصل» في المجلة، حيث يكفي أن ينتخب أحدهم رئيساً لجمعية أو ينظم قصيدة لتسجل في هذه الزاوية. وفي بعض الأحيان، يكاد يتحول العمل القنصلي الفخري الى «شغلة عائلية»، كما في حالة قنصل فييتنام الفخري شادي عيسى الذي يشغل شقيقه زياد منصب قنصل البوسنة الفخري، فيما يشغل والدهما جوزف منصب القنصل الفخري لتيمور الشرقية.
الجولة على أعضاء السلك القنصلي تكاد تتطلب مؤازرة «ناشونال جيوغرافيك». في مار روكز ــــ الدكوانة ثمة لافتة تفيد بوجود مقر لقنصلية أرخبيل سيشل (القنصل أمين نجار) الذي تبلغ مساحته 455 كيلومتراً مربعاً ولا يتجاوز عدد سكانه الـ 80 ألفاً. وبما أن القوانين اللبنانية لا تمنع قناصل الدول الأجنبية من الترشح إلى الانتخابات، فإن نائب «الأحباش» السابق عدنان طرابلسي كان ولا يزال قنصل الصومال، فيما المرشح إلى الانتخابات في المتن الشمالي نصري لحود هو قنصل مملكة سوازيلاند التي يظنها كثيرون «سويزرلند» (أو سويسرا) حين يعرّف عنها. وسوازيلاند دولة أفريقية لا يتجاوز عدد سكانها مليون نسمة، ثلثهم تقريباً، بحسب منظمة الصحة العالمية، مصابون بمرض الإيدز. كما يعاني البلد من انتشار هائل لداء السل المقاوم للأدوية. ولا شك في أن لحود عانى صعوبة في التواصل مع أهل «بلده الثاني» الذين يتحدثون لغة السسواتي فقط. سالم بيضون هو قنصل موريشيوس، وهي جزيرة بركانية في وسط المحيط الهندي، تنتج وتصدر السكر حصراً، ولا أحد يعلم كيف وصل إليها أو فاز بشرف تمثيلها. عزام مخلوف قنصل فانواتو، وهو أرخبيل بركاني رائع آخر يقع جنوب المحيط الهادئ، يبلغ عدد سكانه نحو 250 ألفاً يعتاشون من صيد السمك، ويسكنون في منازل صغيرة مصنوعة من الخيزران وأوراق النخيل. جارتها المعروفة بجزر سليمان، يبلغ عدد سكانها نحو 500 ألف وترأسها الملكة إليزابيث الثانية، انتدبت رجل الأعمال جيلبار خوري لتمثيلها في لبنان. فيما انتدبت جزيرة الرأس الأخضر المستقلة التي كانت مركزاً لتجارة الرقيق السيدة لينا طايع لتمثيلها. رمزي حيدر هو القنصل الفخري لساو تومي وبرينسيب، وهما جزيرتان في خليج غينيا تبلغ مساحتهما المشتركة ألف كلم، وعدد سكانهما نحو مئتي ألف. أما عمر شحادة فهو القنصل الفخري لغرينادا المقابلة لساحل فنزويلا، والتي لا يتجاوز عدد سكانها مئة ألف نسمة ومساحتها 344 كيلومتراً مربعاً.
يتهم كثيرون القناصل بـ»شراء» مواقعهم للاستفادة من الحقيبة الدبلوماسية في تهريب الأموال والممنوعات من بلد إلى آخر. إلا أن مصادر الأمن العام تجزم بأن القنصل الفخري وحقائبه غير معفيين من التفتيش على المعابر الحدودية، شأنهم شأن غيرهم من الركاب. إذ لا يستثنى من التفتيش، وفق القوانين، غير حقيبة يد السفراء المعتمدين رسمياً.
ويعدّ القنصل موظفاً سامياً لدى الدولة التي تعيّنه في دولة أخرى ليخدم جاليتها هناك، وتوثيق العلاقات بينها وبين الدولة اللبنانية. لكن في ظل الفقر المدقع لبعض الدول، كما في حال مملكة ليسوتو، مثلاً، وهي دولة ــــ هضبة في جنوب أفريقيا يعيش سكانها الـ 2,2 مليون جميعاً على خط الفقر، يندر أن تكون لمثل هذه الدول جاليات في لبنان أو إفادة من توثيق العلاقات معها. عندها لا يبقى من العمل القنصلي إلا الوجاهة ولقب «سعادة القنصل» وزيارة القصر الجمهوري مرة سنوياً وحفاوة الاستقبال في الصالونات.
وبالنظر الى قائمة القناصل، يتضح أن أكثر المهتمين بهذا الـ»بريستيج» هم رجال الأعمال. عائلة المرشح الدائم إلى الانتخابات النيابية في المتن الشمالي سركيس سركيس مهتمة دوماً بالحصول على قنصلية فخرية. شقيقه إيلي سركيس هو القنصل الفخري لبيلاروسيا هذه الأيام. قنصل بريطانيا وليم زرد أبو جودة وهب السفارة البريطانية مقرها قبل الحصول على القنصلية. قنصل روسيا هو رجل الأعمال جاك صراف.

معظم القناصل يسعون
وراء الوجاهة واللقب ويغفلون عما يمكن القيام به لتعزيز علاقات لبنان بالخارج
عهد بارودي هو قنصل مالي. قنصل جزر القمر الفخري علي كزما شريك في مشروع «كيدز موندو». قنصل سلوفانيا الفخري ريمون الهاشم أضاف المنصب الى قائمة مناصبه الكثيرة، فهو محامي السفارة البابوية ووكيل الوقف الكنسي في أكثر من منطقة ومحام في المحكمة الروحية. قنصل سيراليون الفخري دونالد العبد هو الشيخ دودو الذي يتطلع إلى مزاحمة رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية على الزعامة الزغرتاوية. قنصل فنزويلا الفخري «الشيخ» وليد عساف هو رئيس مجلس إدارة نادي الصفاء السابق ورئيس مجلس إدارة شركة «بيبسي كولا» في لبنان. القنصل الفخري للنيجر فاديا شمشوم هي شقيقة زوجة رجل الأعمال جيلبير الشاغوري، والأخير هو القنصل الفخري لجزيرة «سانت لويس باريس»، في العاصمة الفرنسية، وهي حي أشبه بجزيرة صغيرة تبلغ مساحتها 617 كيلومتراً مربعاً وعدد سكانها نحو 170 ألفاً. قنصل ألبانيا الفخري مارك غريّب يدير مقاهي «باسكوتشي». قنصل مونتينيغرو الفخري مروان كبّة هو مدير «لينيا فردي». قنصل بوتسوانا سامر رزق شريك السيدة سهام جبران تويني في إدارة مطعم وملهى كابيتول الليلي. قنصل بنين الفخري آرا فانليان أحد الأشقاء الثلاثة المالكين لشبكة فانليان للمفروشات. قنصل صربيا يوسف مرتينوس هو شقيق رئيس اتحاد بلديات جبيل فادي مرتينوس. قنصل أفريقيا الوسطى الفخري كميل فنيانوس زوج السيدة ريجينا فنيانوس المتخصصة كسروانياً في دروس الـ savoir vivre. قنصل تشاد الفخري غازي عساكر شقيق المدير العام للخارجية بالإنابة شربل عساكر. قنصل هنغاريا الفخري عادل قصار شقيق الوزير السابق عدنان قصار. قنصل بوليفيا الفخري وليد خوري مرشح للتشكيلات الوزارية والانتخابات النيابية والبلدية والنقابية وكل ما يمكن أن يقوده إلى منصب ما. قنصل الرأس الأخضر الفخري لينا طايع ابنة مدير شركة «يونايتد» جوزف طايع. رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة محمد شقير هو القنصل الفخري لجمهورية فيجي. قنصل منغوليا الفخري محمد عيتاني كان سكرتير المحافظ أنطون سليمان الذي تمر به كل المعاملات من دون استثناء. أما القنصل الفخري الأشهر فهو قنصل مالاوي أنطوان عقيقي المثال الأعلى لكل الراغبين في دخول التاريخ اللبناني من بوابة الاجتماعيات والزجل!