في 9/7/2015، اتخذت بلدية طرابلس قراراً (رقم 320) عُدّ مفاجئاً، يقضي بـ"الاستمرار في تعليق بدء الأعمال في المرأب المنوي إنشاؤه في ساحة التل من قبل مجلس الإنماء والإعمار". وكانت البلدية قد وافقت على مشروع المرأب في 27 شباط 2015، على أن يتم إعداد المخطط التوجيهي الخاص لمنطقة التل بالتنسيق بين البلدية ومجلس الإنماء والإعمار، وعرضه على المجلس البلدي للموافقة عليه.
تراجع البلدية عن قرارها المتخذ قبل نحو 5 أشهر، دفع كثيرين الى طرح تساؤلات حول الأسباب التي دفعتها الى تغيير موقفها من مشروع المرأب، وخصوصاً أن البلدية كانت قد وافقت على المشروع إثر ضغوط مباشرة من قبل رئيس تيار المستقبل سعد الحريري (http://al-akhbar.com/node/227144). خلال هذه الفترة، جرى نوع من "التسليم" بهذا المشروع المفروض من الحريري على البلدية، ولم تنفع، حينها، الاعتراضات الكثيرة التي قام بها سياسيون وناشطون وهيئات في المجتمع المدني، من أجل ثني الحريري (والبلدية) عن السير بالمشروع، وأن تتم الاستعاضة عنه بمشروع آخر له جدوى إنمائية واقتصادية أفضل، وخصوصاً بعدما "فاحت" روائح فساد وسمسرات من هذا المشروع، اذ رُصد له 24 مليون دولار، فيما قدرت أكثر من جهة مختصة أن كلفته الفعلية لا تزيد على 9 ملايين دولار!
قبل أكثر من أسبوعين، عُقد اجتماع في بلدية طرابلس ترأسه رئيس البلدية عامر الرافعي، وحضره أعضاء اللجنة المكلفة متابعة الموضوع مع "مجلس الإنماء والإعمار" (هو اللقاء الأول بين البلدية والمجلس منذ "أزمة" المرأب). حينها، أُثيرت بين الأوساط الطرابلسية معلومات عن إعطاء البلدية إذن المباشرة للمجلس ببدء تنفيذ أشغال المرأب بعدما رسا تلزيمه على شركة جهاد العرب، على أن يستغرق تنفيذه 18 شهراً.

لم يلتزم مجلس الإنماء والإعمار بإعداد المخطط التوجيهي كشرط للموافقة على مشروع إنشاء المرأب
إلا أن الرافعي نفى هذا الأمر، موضحاً أن "هدف الاجتماع هو الطلب من مجلس الإنماء والإعمار تنفيذ ما قرّره المجلس البلدي بكل حذافيره".
يقول عضو المجلس البلدي خالد صبح، المطلع على المشروع والمتابع له منذ البداية، لـ"الأخبار": "لمّا وافقنا على إنشاء المرأب في ساحة التل، خلال لقائنا مع الحريري، قبلنا به شرط وضع مخطط توجيهي لمنطقة التل كلها، وأن يكون المرأب من ضمنها، وأن يشمل المخطط التوجيهي إعادة تأهيل وتنفيذ البنى التحتية للمنطقة، من كهرباء وإنارة وأرصفة وخطة سير وتحديث شبكة الصرف الصحّي ومياه الشفة وتخصيص منطقة للمشاة وغيرها، قبل أن يتبين لنا أخيراً أن المخطط التوجيهي المنتظر قد "مسخه" مجلس الإنماء والإعمار وجعله مقتصراً على تأهيل واجهات مباني منطقة التل فقط، وراصداً لذلك مبلغ مليون دولار لا غير!".
وكان صبح قد راجع الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري، يوم الاثنين الماضي، وأوضح له تحفظه والبلدية على خطوة مجلس الإنماء والإعمار. يعتبر صبح أن خطوة الأخير تشكّل "طعنة لصدقية الرئيس الحريري ولما تمّ التوافق عليه معه، حفاظاً على مصلحة طرابلس". ونقل عضو المجلس البلدي عن الحريري امتعاض الأخير من تصرّف مجلس الإنماء والإعمار الذي لم يلتزم بما تم الاتفاق عليه، ولفت الحريري الى أن "صدقية الرئيس الحريري هي الأساس، وأن طرابلس تستحق أن تنفذ فيها أفضل المشاريع".
يوضح صبح أن "رفض البلدية بدء أشغال المرأب لا يعني التخلي عن المشروع، لكننا نرفض السير بالمشروع على هذا النحو، ونحن متمسكون جدّاً بما توافقنا عليه مع الرئيس الحريري، ولن نقبل استلشاق مجلس الإنماء والإعمار بمشاريع طرابلس بهذا الشكل".
أسئلة كثيرة طُرحت في جلسة البلدية الأخيرة حول "تصرّف" مجلس الإنماء والإعمار (عدم التزامه بما جرى الاتفاق عليه بين الحريري والبلدية)، فهل تفرّد المجلس بقراره هذا؟ أم أن المجلس المحسوب كلياً على تيار المستقبل أقدم على خطوته هذه بإيعاز من الحريري بعد التنسيق معه؟
وبانتظار العثور على أجوبة لهذه الأسئلة وغيرها في الأيام المقبلة، فإن أول ردود الفعل المرحبة بقرار البلدية جاء من "لجنة متابعة مشاريع طرابلس"، التي كانت واحدة من أبرز هيئات المجتمع المدني المعارضة للمشروع، التي أبدت ارتياحها "لتجميد تنفيذ مشروع مرأب التل لحين وضع مخطط توجيهي كامل للمنطقة"، معتبرة أن المخطط هو "أحد مطالب اللجنة الذي أصرت عليه منذ اليوم الأول لإطلاق شرارة المعارضة لمشروع المرأب في 13 شباط من العام الجاري".
وأملت اللجنة "الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات التي وضعتها سابقاً ــ عند وضع المخطط التوجيهي ــ والذي تصرّ على أن لا يشمل المرأب ضمنه في هذا الموقع ووفق نفس الدراسة والطرح"، مذكرة "بأسباب الرفض وكذلك بالمطالب والحلول التي تأمل أن يشملها المخطط المتوقع، لتحقيق منظومة نقل متكاملة تسهم في تحقيق التنمية المستدامة للمنطقة والمدينة".