لا يستسيغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي حكم تركيا طيلة 13 عاماً، فكرة تقويض حكمه. في خضم البحث عن ائتلاف مع أحد الأحزاب الفائزة بالانتخابات البرلمانية الأخيرة، والتحضير لانتخاب رئيس للبرلمان، قام أردوغان بخطوات سياسية وعسكرية أقلقت الداخل ودول الجوار. فبعدما عبّر عن قلقه من خطر «الإرهاب» القادم من الحدود السورية، ولا سيما من التغيّرات السكانية في منطقة تل أبيض السورية، في إشارة إلى نزوح سوريين عرب وتركمان، كرّر أن تركيا لن تسمح بقيام منطقة حكم ذاتي كردية في سوريا، الأمر الذي قد يشجع أكراد تركيا (14 مليوناً) على اتخاذ خطوةٍ مماثلة.
وقال رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو إنه سيتخذ إجراءات متعلّقة بأمن الحدود، شاركت الصحف المقرّبة من الحكومة بالتلميح إلى إمكان البحث في إقامة «منطقة آمنة» تمتد 110 كلم مع سوريا. أعطيت الأوامر لرئيس الأركان نجدت أوزال بالتدخل في سوريا، لكن هذا الأخير طلب أمراً خطياً واعترض على خطط الحكومة، محذراً من العواقب ومن أن هذا الأمر يتنافى تماماً مع القانون الدولي. في ظلّ هذه الأجواء، انعقد مجلس الأمن القومي التركي برئاسة أردوغان لأكثر من أربع ساعات، وأجرى «تقويماً للأحداث، وبحث التهديدات المحتملة والتدابير الأمنية الإضافية المتخذة على طول الحدود مع سوريا». ثم أرسل الجيش التركي تعزيزات عسكرية إلى ولاية كيليس الحدودية مع سوريا، قوامها 32 دبابة، فضلاً عن عربات وحافلات نقل الجنود انطلقت من قيادة اللواء المدرع الخامس في ولاية غازي عنتاب باتجاه بلدة إيلبيلي في كيليس، تموضعت في النقاط المحددة لها في البلدة. وتم نشر فيديو في الإعلام الموالي، يعرض قيام عناصر تابعين لتنظيم «داعش» بزرع ألغام في المنطقة الحدودية بين سوريا وتركيا، في إشارةٍ إلى أن تركيا تريد حماية حدودها من «داعش» أيضاً، في محاولةٍ لإعطاء صورة عن أن حكومة «العدالة والتنمية» المستقيلة تعمل على حماية حدودها من «داعش»، وتقف ضد تحالف تعتقده بين الأكراد والنظام في سوريا.
ردّت المعارضة التركية باعتبار كل تدخل من قبل تركيا في سوريا هو عدوان واحتلال. وأشار زعيم حزب «الشعب الجمهوري»، كمال كليتشدار أوغلو، إلى أن أي تدخل عسكري في الوقت الذي تجرى فيه محادثات بشأن تشكيل ائتلاف حاكم هو خاطئ، مؤكداً أن «دق طبول الحرب هو من أجل مصالح شخصية لتحسين صورة أحدهم» وأن تركيا «ليست ألعوبة لتحقيق طموح أردوغان».
ولكن، هل حقاً أراد أردوغان احتلال شمال سوريا أم أنه أراد إسماع صوته للأكراد في الداخل واستثارة الروح القومية عند بعض الأتراك الذين لم يصوّتوا لـ«العدالة والتنمية» في الانتخابات البرلمانية. كذلك، إن هذا الخطاب لا ينسجم مع فكرة تشكيل حكومة ائتلافية مع «الشعب الجمهوري». هذه الصورة، ووقوف حزب «الحركة القومية»، دولت بهشلي، ضد أي تحالف يكون حزب «الشعوب الديمقراطي» طرفاً فيه، ما ساهم بفوز مرشح «العدالة والتنمية»، عصمت يلماز، برئاسة البرلمان، تعزز التوجه إلى ائتلاف حكومي بين «العدالة والتنمية» و"الحركة القومية". وكانت الترجيحات تشي بتفاهم بين «العدالة والتنمية» و"الشعب الجمهوري" على التصويت لصالح دنيز بايكال الذي لم ينل سوى بعض أصوات «الشعوب الديموقراطي»، إضافةً إلى أصوات حزبه. كذلك، هدد «الحركة القومية» بأنه لن يصوت لبايكال إذا كان «الشعوب الديموقراطي» سيصوت له، وفي هذه الحالة كان مرشح «الشعب الجمهوري» سيخسر حكماً.
من جهةٍ أخرى، يحاول «العدالة والتنمية» تخطي نكسته بعد الانتخابات البرلمانية، بالتزامن مع استعادة الحكومة نشاطها في مجال التعيينات في الدوائر الحكومية والدبلوماسية، كما استمرت في طرد من تشتبه بانتمائهم الى «الكيان الموازي» (جماعة غولن) في الشرطة، كذلك من تشتبه بمحاولات التجسس إلكترونياً على أردوغان، بالرغم من أنها حكومة تصريف أعمال فقط. كما أنه في الآونة الأخيرة، شهدت اسطنبول تصعيداً واضحاً في الموقف المتشدد لوزارة الداخلية في المناسبات العامة، كما في حالة تجمع المثليين التي قمعت في 28 حزيران الماضي والانتقال إلى حظر حفل موسيقي عام لمجموعة يسارية. هذه التصرفات قد توحي بأن أردوغان لن يتوانى عن إفشال أي ائتلاف وبأنه سيذهب بفضل عدم تلاحم المعارضة الى انتخابات مبكرة، على أمل أن يتمكن من التمتع بسلطات رئاسية موسعة من دون تغيير الدستور.