إسطنبول | السيد الرئيس،في الذكرى الثانية للثورة الشعبية ضد حكم «الإخوان المسلمين» الأسود، تحية لكم ولمصر العظيمة، وأعزّيها بكل شهدائها الأبطال العظماء.
وبهذه المناسبة اسمحوا لي أن أذكّركم ببعض الحقائق التي أثق بأنكم على علمٍ بها، ولكن ما سأسعى إليه هو ربط الأحداث بعضها ببعض.
لنبدأ بتدخل القوات المسلحة للتخلص من حكم «الإخوان»...
لقد بعث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس مخابراته أكثر من مرة إلى الرئيس محمد مرسي، وطلب منه رفض ضغوط الشارع المصري وتهديدات العسكر والتصدي لهم مهما كان حجم الضغوط والتهديدات، مؤكداً استعداد تركيا للوقوف إلى جانبه خلال تلك الأزمة.

واستضافت تركيا «العدالة والتنمية»، بعد إطاحة الرئيس حسني مبارك، الآلاف من المصريين من مختلف الأعمار والفئات من المحسوبين على «الإخوان المسلمين»، وقامت بتدريبهم وتأهيلهم، قبل أن تعيدهم بأسرع ما يمكن إلى مصر حتى يكونوا نواة حكم «الإخوان» القادم حينها.
وبعد تسلم «الإخوان» للحكم في مصر، وهو ما ساهم فيه مستشارون أتراك من مختلف الاختصاصات، زاد التعاون التركي مع «مصر الإخوان»، إيماناً من أردوغان وقادة «العدالة والتنمية» بأنه من دون مصر لا يمكن تحقيق الحلم التركي ــ العربي ــ العثماني في إحياء الخلافة الإسلامية على أساس حكم «الإخوان» وأردوغان وحزبه ذي العقيدة الاخوانية. بمعنى آخر، لقد كانت مصر العمود الفقري للمشروع الأردوغاني في المنطقة العربية، وهو ما يفسر غضبه العارم عليكم، لأنكم قضيتم على كل أحلامه ومشاريعه ومخططاته في العالم العربي والإسلامي، التي تلقت الضربة الأولى في سوريا بصمود الدولة السورية التي لو سقطت في العام الأول ــ كما كان أردوغان يتوقع ــ لما سقط حكم «الإخوان» في مصر، ولكان أردوغان قد صلّى في الجامع الأموي في دمشق كما وعد، ثم انتقل منها الى القاهرة ليصلي في جامع محمد علي باشا، ويعود خليفة على الأمة الاسلامية كما فعل السلطان سليم بدخوله الى سوريا في آب/أغسطس من عام ١٥١٦، وإعلان نفسه خليفةً للمسلمين في القاهرة في كانون الثاني/ يناير ١٥١٧.
باختصار، إن «تركيا أردوغان» لا ولن تغفر لك أبداً ثورتك على «الإخوان» وما فعلته بهم، وسوف تستمر بكل إمكانياتها الكبيرة في تبنّي ورقة «الإخوان» مصرياً وسورياً وعربياً ودولياً، من دون أي تراجع ومهما كلّفها ذلك.
ويكفي أن أذكّركم بما فعله أردوغان ويفعله في سوريا ضد الرئيس السوري بشار الأسد الذي كان «صديقه الاول»، قبل أن يرفض الأسد تقاسم السلطة مع «الإخوان» قبل «الربيع العربي» الذي تبيّن في ما بعد أنه مؤامرة خطيرة استهدفت الأمة العربية بكل مقوماتها الدينية والسياسية والاجتماعية والشعبية والاقتصادية والنفسية إرضاءً لأهواء الحسابات الإسرائيلية. وكما قال دايفيد بن غوريون عام ١٩٥٦، إن «قوة إسرائيل ليس بجيشها أو بسلاحها النووي، بل بدمار ثلاث دول عربية وهي العراق وسوريا ومصر»، وفي حين يجري العمل على تدمير العراق وسوريا سيأتي الدور على مصر لا محالة. وهو ما ستساهم فيه كل الدول المعادية لمصر دولياً وإقليمياً، بما فيها تركيا والسعودية وقطر والأردن وباقي دول الخليج التي تآمرت معاً ضد سوريا ودمّرتها، فما الذي سيمنعها من الاتفاق على تدمير مصر؟

السيد الرئيس،
كنتم أنتم وكل الساسة والمثقفين المصريين على ثقة تامة بأن هذا التحالف التآمري لا ولن يتخلى عن تحالفه الرجعي ضد مصر والأمة العربية. ويكفي أن أذكّركم بأن هذا التحالف تآمر، منذ ثورة عبد الناصر القومية، على مصر العربية ووقف خلف كل المؤامرات التي استهدفت كل الدول العربية والإسلامية. ولا داعي هنا للدخول في تفاصيلها. فالسعودية بؤرة الرجعية والتطرف الاسلامي، وهي سبب كل المؤامرات ذات الطابع الاسلامي في مصر وسوريا واليمن ولبنان، وكل دول العالم، بما فيها أفغانستان والبوسنة والصومال والشيشان، حيث كان أقطاب المذهب الوهّابي الظلامي سبباً لجرّ هذه الشعوب الى الدمار، إذ تبنّت السعودية منذ أول لقاء بين الملك عبد العزيز مع الرئيس فرنكلين روزفلت ١٣ شباط/ فبراير ١٩٤٥ كل الحركات الدينية بكل أشكالها، وسعت إلى وضعها تحت المظلة الوهابية الخطيرة، وفي مقدمتها «الاخوان المسلمين»، المظلة الرئيسية لكل الحركات الاسلامية اللاحقة، وفي مقدمتها تنظيم «القاعدة»، ومن ثم «جبهة النصرة» و«الدولة الاسلامية» (داعش) وحركة «الشباب» و«بوكو حرام»، وتلك التي تقاتل الآن الشعب والدولة المصريين، بكل تسمياتها الرخيصة.

السيد الرئيس،
إن العدوان الذي يستهدف مصر لا ولن يتوقف.
وإن الذين يدعمون هذا الاٍرهاب لا ولن يتوقفوا عن دعم هذا العدوان بشكل مباشر وغير مباشر، كما أنهم لن يتوقفوا عن دعمه في سوريا. وهؤلاء الذين يدعمون الجماعات الارهابية في سوريا وليبيا ولبنان وتونس، ليس لديهم أي مبرر لوقف دعمهم لهذه الجماعات في مصر. لا فرق بين هذه القوى وبين «داعش» و«النصرة» و«أحرار الشام» و«الجبهة الاسلامية» والعشرات من هذه التسميات المدعومة من تركيا وقطر والسعودية التي لن تتردد في الاستمرار في هذا الدعم، لأن العقلية السعودية لن تتغير مهما حاولت أن تظهر وكأنها معكم في «الحرب على الاٍرهاب».
وإلا، فلماذا العدوان السافر على اليمن من دون أي مبررات باستثناء دعم «القاعدة» هناك لتعزيز وجوده وتقوية مواقعه في اللحظة الاخيرة من الحملة التي كان الجيش اليمني يخوضها ضد التنظيم؟ كذلك فإن آل سعود، منذ أن خلقهم الله ومعهم المذهب الوهابي السلفي، كانوا الخطر الذي هدّد وما زال يهدّد مصر وسوريا، حتى منذ أيام محمد علي باشا. وهذا يعني أن الدعم السعودي للقاهرة بعد التخلص من حكم «الإخوان»، لم يكن إلا لسبب رئيسي واحد وهو إبعاد مصر العربية القومية عن دمشق التي تتصدى لأكبر مؤامرة إقليمية ودولية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً. فالسعودية ومن معها من دول الخليج، لا تريد أن تقف القاهرة إلى جانب دمشق وتحيي ذكريات الوحدة العربية القومية ولا تريد لها أن تقاتل جنباً الى جنب ضد العدو المشترك الذي لن يهزم إلا بوحدة التحالف المصري ــ السوري بكل امتداداته القومية العروبية المقاومة، وهو ما سيحظى بدعم كل القوى المعادية للفكر التكفيري الذي يجب أن تعرفوا جيداً أنه يستهدف مصر بكل مقوماتها العربية والإقليمية.

السيد الرئيس،
لا أريد أن أطيل، ولكن اسمحوا لي أن أقول إن عملي الصحافي منذ ٣٧ عاماً وخبرتي الميدانية الإعلامية والسياسية والأكاديمية، ولقاءاتي مع زعماء المنطقة، وخارجها أيضاً، علمتني حقيقة واحدة وأساسية وهي أن آل سعود هم أخطر نظام على العالم العربي والإسلامي، وهم بؤرة الفكر التكفيري الذي دمر وسيدمر المنطقة بأكملها، وهذه المرة بحلفائها في تركيا وقطر والأردن التي وقفت ــ وتقف جميعها الآن ــ خلف الجماعات الإرهابية في سوريا، ولا فرق بينها وبين تلك التي تسعى لتدمير مصر بأسرع ما يمكن. هذا بالطبع إذا لم يعِ الشعب المصري بأكمله حجم المؤامرة وضرورة التصدي لها فوراً وبكل حزم وحسم، ولكن مع الشقيقة سوريا وحلفائها.

السيد الرئيس،
يقول كاتب النشيد الوطني التركي، محمد عاكف، «يقولون عن التاريخ إنه يكرر نفسه، فَلَو استُخلصت الدروس منه لما كرر نفسه». وعلى أمل أن لا تسمحوا للتاريخ بأن يكرر نفسه، تقبلوا مني فائق الاحترام وتمنياتي لكم بالنجاح والتوفيق والنصر، وقبل ذلك حكمة القرار العاجل للسير قدماً على طريق الرئيس الخالد، جمال عبد الناصر، الذي قتلته مؤامرات آل سعود وآل هاشم، ومن قبلهم آلِ عثمان!