يعيش الفلسطينيون السوريون اليوم مأساة فعلية، إذ أعلنت الأونروا تعليق مساعدات بدل الإيواء البالغة 100 دولار للعائلة ابتداءً من شهر تموز بسبب نقص في التمويل. تتحدث العائلات الفلسطينية السورية منذ أشهر عن هذه الأزمة، حاملةً أملاً كبيراً بأن تلغي الوكالة قرارها، فالناس هناك لا يصدّقون: «مستحيل الأونروا تتركنا. بكرا رح يجي بدل الإيواء»، إلاّ أنّ الوضع اختلف في ظل أقاويل ومعطيات تشير الى أنّ وضع الأونروا في خطر. تطول النقاشات بين العائلات التي تسأل، على بعد يوم من بدء تنفيذ القرار، ماذا سنفعل؟
يعدّ اللاجئون الجدد الى مخيم شاتيلا، الذين يقارب عددهم 500 عائلة، نموذجاً واضحاً لمأساة ستطرق الباب غداً في مختلف المخيمات. اليوم، يعيش أبو أسامة وعائلته وعائلة ابنه في أحد بيوت المخيم المكتظ، أمّا بعد مرور اليوم السابع عشر من شهر تموز فلا يدري أين سيصبحون. تجتمع العائلتان في غرفة صغيرة جداً ليرووا «المأساة» التي زادت الوضع سوءاً: «منذ شهر ونصف وصلتنا رسائل من الأونروا بأنها ستوقف ابتداءً من شهر تموز بدل الإيواء البالغة قيمته 100 دولار»، هكذا تبدأ القصة.
تعيش العائلتان المؤلفتان من 8 أشخاص في منزل مكوّن من غرفتين صغيرتين ومطبخ، ويبلغ بدل إيجاره الشهري 300 دولار. مدخول العائلتين الوحيد يقتصر على المساعدات التي تبلغ قيمتها 620 الف ليرة، يذهب منها تلقائياً 450 الف ليرة بدل إيجار، ما يعني أنّ 8 أفراد يكملون حياتهم شهرياً بـ170 الف ليرة فقط، ما يوفّر لهم (بالكاد) فرصة البقاء على قيد الحياة لا أكثر. تقول أم أسامة: «بعد 15 يوماً على قبض المساعدة من الأونروا أبدأ بالاستدانة من المحال المجاورة على أن أسدد الدين عندما يأتي القبض المقبل. اليوم لن يأتي موعد القبض، وهذه هي الفاجعة الكبرى، سنصبح في الشارع». أمّا زاهرة، المرأة الخمسينية، فتعيش في منزل وسط المخيم مع 4 عائلات، تقول «يبلغ إيجار المنزل 600 دولار. من أين سنؤمن هذا المبلغ؟ صاحب البيت آخر همّو وضعك، إذا ما بتدفع بيطردك وبأجّر غيرك. هناك استغلال واضح؛ هذا البيت لا يساوي أبداً 600 دولار!». قد يشعر البعض أنّ 100 دولار ليست مبلغاً يمكن أن يؤثر بشكل مصيري في حياة الأشخاص، لكن اقتطاع 100 دولار من عائلة يبلغ مصروفها الشهري 300 دولار يعدّ كارثياً ويرتّب عواقب وخيمة. تطلب الأونروا اليوم من هؤلاء أن «يدبّروا أمورهم»، قاطعةً الأمل عليهم بأي حل في القريب العاجل.

تخفيض بدل الغذاء أيضاً

لكن ما الذي أوصل الأونروا الى هذا الوضع الحرج؟ في بيانها الصادر في 22 أيار، الذي أبلغت فيه الوكالة تعليق مساعدات بدل الإيواء، أعلن مدير عام الاونروا في لبنان متاياس شمالي أنّ تعليق بدل الإيواء سيكون له تداعيات كارثية على هذه الفئة الضعيفة، لأن اللاجئ الفلسطيني هو الأضعف من بين جميع اللاجئين من سوريا.

تحذر الأونروا من أنها قد
تضطر الى تخفيض بدل الغذاء
من 27 دولاراً الى 19 دولاراً


تشرح الناطقة الاعلامية باسم الأونروا في لبنان، زيزيت دركزللي، خطوط التمويل للوكالة: «هناك قسمان للمساعدات في الأونروا: أولاً المساعدات الطارئة، وثانياً المساعدات العادية، أي الخدمات الأساسية التي تقدمها الوكالة من تعليم وصحة وخدمات اجتماعية وإغاثة. لذلك فإنّ التمويل يتوزّع بين الميزانية العامة للمنظمة المخصصة للمساعدات العادية وميزانية الطوارئ، وهنا يعود الأمر إلى الدول المانحة التي تقرر أي ميزانية تموّل». عندما بدأ تدفق اللاجئين الفلسطينيين من سوريا، انخرطوا ضمن المساعدات العادية بالإضافة الى مساعدات الطوارئ التي تتضمن مساعدات نقدية عبارة عن بدل الغذاء وبدل الإيواء. يبلغ اليوم عدد اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا الى لبنان نحو 43900 لاجئ، يحصل 41 ألفاً منهم على مساعدات طارئة، أي 27 دولاراً كبدل غذاء شهري لكل فرد (كان 30 دولاراً لكنه خُفّض منذ نيسان الى 27 دولاراً) و100 دولار كبدل إيواء شهري لكل عائلة. تبلغ التكلفة الشهرية لبدل الغذاء للفلسطينيين السوريين في لبنان 1.25 مليون دولار شهرياً، و1.25 مليون دولار شهرياً لبدل الايواء، تقول دركزللي «اليوم لا يتوافر لدينا المبلغ المخصص للإيواء». لا تتوقف المأساة هنا، بل تعلن دركزللي خبراً سيشكّل بدوره صدمةً أخرى للفلسطينيين السوريين عندما يعلمون به: «من الممكن أن نضطر إلى تخفيض بدل الغذاء من 27 دولاراً الى 19 دولاراً ابتداءً من شهر تشرين الأول إذا لم يصل تمويل جديد في القريب». تشرح أنّ برنامج الأغذية العالمي خفّض سلة الغذاء المخصصة للاجئين السوريين الى 13.5 دولاراً، ما يعني أن من المتوقع أن تتأثّر السلة الغذائية المخصصة للفلسطينيين السوريين، «لكننا سنحاول أن نكمل بـ27 دولاراً للفرد». خبرٌ آخر سيصل الى المستفيدين من خدمات الأونروا: «ما لم يصل الى الوكالة تمويل جديد حتّى شهر أيلول، فستنفذ أموال الطوارئ الموجودة في المصرف، وبالتالي سنضطر إلى أن نتصرف فقط في الأموال المتبقية في الوكالة». تقول دركزللي «المطلوب للميزانية العامة للوكالة لعام 2015 مبلغ 680 مليون دولار، أمّا المتوافر لدينا فهو فقط 350 مليون دولار».

الانفجار حتمي

لا تعني اللاجئين على الإطلاق تبريرات الأونروا؛ رأيهم واضح: «كيف يعني منظمة دولية ما معا مصاري؟ عم يجيهن تبرعات. فليطردوا الموظفين الذين تبلغ معاشاتهم 15 ألف دولار».
ما يعلم به اللاجئون الجدد الى اليوم يقتصر على وقف بدل الإيواء، وهو أمرٌ كان كفيلٌ وحده بأن يحدث صدمة داخل المخيمات ويمهّد لتحركات عنيفة مقبلة. الاعتصامات الكثيرة التي نفذوها أمام مركز الأونروا في بيروت، في المخيمات وفي المناطق، لم تجدِ أي نفع. فالقرار يدخل غداً شهره الأول، ويدخلون هم مرحلةً سمّوها «التشرّد». الكلام المتناقل بين الفلسطينيين السوريين يشير الى تصعيدٍ قادم سيتبلور بشكل نهائي منتصف شهر تموز عندما يشعر هؤلاء بقساوة الواقع. يقول أحمد «الناس هلق ليش ساكتة؟ لأنهم حصلوا على مساعدة لهذا الشهر، لكن ابتداءً من الشهر القادم لن يحصلوا على شيء. الشهر القادم سيشعر الناس بالضغط المعيشي الكبير، والناس عندما تختنق ماذا تفعل؟ تنفجر، والانفجار بات قريباً». توافق وصال، اللاجئة الستينية، على كلام أحمد فتقول «عندما نصل الى 17 تموز، وهو الموعد المعتاد لقبض الأونروا، ماذا سيفعل الناس؟ سيتوجهون الى الأونروا لتكسيرها. الناس مترقّبة القبض القادم، فلا تلومونا على أي أفعال». يستطرد أحد الشباب في المخيم «يمكننا اقتحام مركز الأونروا خلال 5 دقائق، الوضع لم يعد يحتمل ولم يعد لدينا شيء لنخسره». لسان حال جميع الفلسطينيين السوريين في المخيمات حاسم: ما لم تعطونا بدل إيواء فسنقتحم مدارس الأونروا ونسكن فيها. يتحدث أحد أعضاء اللجنة الشعبية في مخيم شاتيلا عن حالة الفلتان المرتقبة «الناس رح تطلع من البيوت وتسكن بالمدارس، وين بدا تروح غير هيك؟ وبالتالي سيتم تعطيل العام الدراسي المقبل، ما سيخلق مشاكل داخل المخيمات بين الفلسطينيين اللبنانيين الذين يريدون تعليم أولادهم، والفلسطينيين السوريين الذين يبحثون عن مأوى». اهتمام اللاجئين القدامى بما يحصل مع اللاجئين الجدد من أزمة في التمويل ينطلق فقط من خوف لديهم من أن تطالهم هذه الإجراءات التقشفية بعدما كثرت الأقاويل داخل المخيمات عن إفلاس الأونروا.

التداعيات المأساوية: لم يعد لدينا سوى البحر

تعلم الوكالة جيداً تداعيات وقف بدل الإيواء على الناس، على الرغم من إدراكها أيضاً أنّ «البدل المقدّم قليل أصلاً ولا يكفي لسد احتياجات الناس، وبالتالي فإن المخاطر قائمة مسبقاً. كذلك فانّ الإحصاءات تشير الى أنّ هذه المساعدة تشكّل الدخل الأساسي لـ95% من العائلات». تعبّر الناطقة باسم الأونروا عن أبرز مخاوف الوكالة في هذا الإطار والمتمثّلة في الخوف من ازدياد ظاهرة التسرب المدرسي، إذ سيترك الأطفال مدارسهم ليعملوا من أجل مساعدة أهلهم. كذلك ستزداد نسبة الفقر أكثر، وسيزيد استغلال الناس من ناحية دفع الإيجارات، ما سيؤدي الى ظواهر عنفية نتيجة الضغوطات والتوترات لنصل الى ازدياد العنف الأسري. تقول دركزللي «يقتطع اللاجئون عادة جزءاً من بدل الإيواء لشراء الأدوية، ومع وقف هذا البدل لن يجدوا مورداً آخر، ما سيؤثر في صحتهم». وأخيراً هناك خوف لدى الأونروا من ازدياد الهجرة غير الشرعية في زوارق الموت؛ خوفٌ بدأ يُترجم فعلياً على الأرض، إذ يستعد عدد كبير من الشباب لمغادرة البلاد، وأحمد واحدٌ من هؤلاء. «أنا كل همي هلق فل من هون، كل الناس عم تفكر هيك»، يصرخ ابن الـ25 عاماً الذي يعمل حالياً على تسوية جواز سفره تمهيداً للسفر، «بس يوصل جواز السفر طالع على تركيا. ما بقا عنا حل، نحنا هون عم نموت عالبطيء. ليش بدي خاف موت بالبحر؟ أنا بالبحر عندي أمل بمستقبل حلو، هون ما عندي شي!».