سبب اختياري مؤلف «من يملك الماضي - المتاحف والمعركة على إرثنا العتيق»، والتالي له، للعرض هنا رغم مرور بعض الوقت على صدورهـ(ما) ليس حقيقة أنه لا يزال يثير الجدل بين العامة وأهل الاختصاص، بل لراهنية مادته. عمليات التدمير الواسعة والممنهجة التي تلحق بالآثار في بلادنا، وعلى نحو خاص في سوريا والعراق وليبيا، وفي اليمن جراء العدوان السعودي عليه، إضافة إلى التدمير الواسع للآثار الإسلامية في جزيرة العرب الذي نفذه الوهابيون الأوائل والحاليون، تفرض على النخب نقاش الموضوع بروية وبتجرد من العواطف والعصبيات.الكاتب، رئيس «معهد شيكاغو للفنون» ورئيس سابق لمتحف «جامعة هارفارد» جيمس كونو، يطرح موضوعته الإشكالية التي تتلخص في القول: إن الآثار ملك عام للبشرية، وليست لطرف واحد. ومن هذا المنظور، يرى ضرورة السماح للمتاحف باقتناء القطع الأثرية من دون رقابة، أي السماح للمتاحف بشراء المسروقات.

يخوض الكاتب في موضوعته عبر تقديم أمثلة من تركيا والصين، خصص لكل منها فصلاً كاملاً، تثبت، من منظوره، كيفية توظيف مختلف الأنظمة الآثار لخدمات سياسية وفكرية تصعد من العصبية والمشاعر القومية.
يكفي هنا النظر في كيفية توظيف العدو الصهيوني للآثار (الوهمية) في خدمة مشروعه العنصري (ز م). هو يرى أن هذا التوظيف غير البريء للآثار يسوغ فكرته بأن الآثار ملك عام للبشرية ولا يجوز حجزها في بلد العثور عليها، وأن وجود الآثار في المتاحف الضخمة، ويعطي المتحف البريطاني مثالاً على ذلك خدمة للبشرية جمعاء. فعندما زاره، عثر فيه على أقسام تغطي كافة الحضارات البشرية ومراحل تطورها، ما يجعل الزائر، وعن حق، يشاهد تطوراً إنسانياً، في كل العالم.
لا شك في صحة نظرة الكاتب بأن الآثار ملك للبشرية، وأن المرء، عندما تتسنى له زيارة متحف ما، يود أن يرى فيه التنوع، لكن هذه النظرة تبدو أحادية.
نعم، تدمير الآثار وسرقتها ونهبها وبيعها لمن يملك المال وعلى استعداد لدفع الثمن، جريمة أكبر من أي عقاب لها. لكن على المرء الأخذ في الاعتبار قضايا اعتبارية وأخلاقية؛ فهل يجوز تحويل المتاحف إلى مخازن المسروقات (وهي كذلك في كثير من
الأحوال).
ثم إن محاولة الفصل بين أثر ما وبلد المنشأ تبدو قسرية. فالكاتب يرفض قبول «حق الدول» في المطالبة باستعادة الآثار التي أخذت منها على وجه غير شرعي وقانوني! هل وجود الأعمدة الرخامية الإغريقية التي تطالب بها أثينا، في المتحف البريطاني، هي في المكان الصحيح أم أنه وجب إعادتها لإكمال بنية البناء الذي أخذت منه! هل يكتسب البناء، وهو أطلال ليس غير، قيمة إضافية في حال عودته إلى مكانه الأصلي.
لكن هل يتقبل مؤيدو هذه الفكرة حصر عرض المغناكارتا في متحف في زمبابوي! وهل ثمة تقبل أميركي مجرد لفكرة عرض إعلان الاستقلال في متحف في موسكو لا
غير!
إن عمليات التدمير الواسع للآثار التي حصلت في بلادنا ولا تزال تحصل على نطاق واسع، تجعل المرء يرتاح لوجود كثير من آثارنا في متاحف الغرب الذي قدر قيمتها وحافظ عليها.