عبثاً حاولت جمعية الحفاظ على التراث اللبناني توجيه أنظار وزارة الثقافة الى ضرورة تصنيف حي عبرين التراثي في منطقة الاشرفية، الذي يشتمل على مجموعة من الابنية التراثية، بينها مدرسة راهبات العائلة المقدسة ــ عبرين. تقول الجمعية إنها نظمت الاسبوع الماضي جولة على هذا الحي التراثي حيث تبين وجود أربعة أبنية تراثية جميلة ضمن العقارات رقم 574 و575 و576 و577 و578 والتي لا تزال تحافظ على شكلها الداخلي والخارجي، وهي تعدّ آخر ما تبقى من الابنية التراثية الجميلة لحقبة بداية أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في بيروت التي يجتاحها الباطون والابنية الزجاجية العملاقة. تمتلك هذه العقارات شركة «مينا كابيتال»، التي تنوي هدم المباني التراثية وتشييد أبنية تجارية شاهقة مكانها.
واللافت أن وزارة الثقافة بادرت الى تصنيف العقار رقم ٥٨٠ المجاور لهذه العقارات، ومنعت مالكه من هدمه، وطلبت أن يحافظ على صيغته العمرانية وأن يقوم بترميمه وأن يحافظ على طابعه التراثي الفريد، لكن الوزارة نفسها لم تلتفت الى النداءات المتكررة التي أطلقتها الجمعية من أجل تصنيف العقارات التراثية في منطقة عبرين، والتي لم تشملها لائحة الجرد العام للابنية التراثية في بيروت لأسباب ليست معلومة. وتقول الجمعية إنها وثّقت الحي من خلال فيلم وصور تم إرسالها الى وزير الثقافة روني عريجي، في محاولة لحثّه على تصنيف هذه المباني قبل إزالتها.
ومن ضمن هذه العقارات مدرسة راهبات العائلة المقدسة ــ عبرين، حيث أعلنت الرئيسة العامة لراهبات العائلة المقدسة، الاخت غبريال أبو موسى، أن السلطات الكنسية درست مشروعاً للاستعانة بشركة معوض الغزال للاستفادة من العقار المحيط الذي تبلغ مساحته سبعة آلاف متر مربع، وأن الهدف النهائي للمشروع يلحظ إقامة مركز متكامل دينياً، اجتماعياً وتربوياً في منطقة التباريس يدعى مشروع سيدة العائلة، لقاء حصول الشركة على حق بناء مبنى على مساحة 10 في المئة من إجمالي مساحة العقار، الامر الذي يزيد من المخاطر المحدقة بالوحدة التراثية والعمرانية لحي عبرين التراثي في منطقة الاشرفية.
ومن المعلوم أنه في عام 1996، أعدَّت «جمعية حماية المواقع والأبنية القديمة» APSAD دراسة لحظت وجوب حماية /1051/ مبنىً موزَّعين على مختلف مناطق بيروت العقارية. شكَّلت اللائحة بأرقام العقارات المبنية، والمعنية بهذه الدراسة، أول مرجع لإحصاء المباني التراثية في بيروت، وبالتالي الأساس الذي طلبت بموجبه وزارة الثقافة من محافظ مدينة بيروت اتخاذ إجراء مؤقَّت يقضي بمنع هدم هذه المباني التراثية.
أدّى هذا التدبير إلى حملة واسعة نظَّمها مالكو العقارات المعنية، إذ طالبوا الدولة إما بالعودة عن هذا القرار، وإما بالتعويض نتيجة الغبن والضرر اللاحقين بهم من جرّاء التجميد. حينها صدر القرار رقم 12/97 تاريخ 6/2/1997 القاضي بتأليف لجنة حدَّدت أربع مناطق تتميَّز بمجموعات أبنية تراثية متجانسة ضمن نسيج مدني متماسك يجعلها ذات قيمة معمارية تاريخية على نطاق المجموعة تتعدّى القيمة الفردية للمباني. كذلك شدَّدت هذه اللجنة على عدم تصنيف أي مبنى وفق قانون الآثار الحالي، وأوصت بمنع الهدم وتجميد التخطيطات غير المنفَّذة. بنتيجة الدراسة التي أعدتها اللجنة تمّ تحرير 592 عقاراً ولم يبقَ في لائحة العقارات المجمَّد هدمها سوى 459 عقاراً مبنياً.
لكن إزاء استمرار المحاولات المتكرِّرة من قبل مالكي العقارات المعنية بتحرير عقاراتهم أو بدفع التعويضات عن الضرر اللاحق بهم أو باستملاك هذه العقارات، رفعت وزارة الثقافة الأمر مجدّداً إلى مجلس الوزراء الذي، بموجب قراريه رقم 33 تاريخ 5/2/1998 ورقم 7 تاريخ 20/5/1998، كلّف حينئذ مجلس الإنماء والإعمار بإعداد دراسة شاملة تتناول الأبنية المجمّد هدمها في نطاق مدينة بيروت، مع اقتراح تحرير تلك التي لا تتّسم منها بطابع تراثي. قام مجلس الإنماء والإعمار، بالتعاون مع الاستشاري «شركة الاتحاد الهندسي» (خطيب وعلمي)، بتنفيذ المهمة بحيث تضمّنت الدراسة تصنيف المباني وفق خمس مجموعات (أ، ب، ج، د، ه) مع اقتراح إخراج المجموعتين الأخيرتين (د) و(ه) من لائحة الأبنية المجمّد هدمها.

تنوي شركة «مينا كابيتال»
هدم ٤ مباني تراثية
في الأشرفية


تشمل المجموعة (أ) ٣٤ مبنى مرتبطاً بأحداث تاريخية أو بسيرة أشخاص تاريخيين، أو التي تتمتَّع بعناصر معمارية مميَّزة وبقيم فنية عالية. وهذه المباني هي بشكل عام بحالة جيدة ومبنية على عقارات كبيرة وتتطلَّب الحدّ الأدنى من أعمال الترميم. في حين تشمل المجموعة (ب) ١٢٧ مبنى غير مرتبط بأحداث تاريخية إلا أنها تتمتَّع بقيم معمارية عالية وتعكس فترة زمنية أو طريقة بناء معيَّنة. أما المجموعة (ج) فتشمل ٤٨ مبنى مشابهة لمباني الفئة (ب) مع الفارق بأنه قد لحقت بها أضرار مهمّة، إما بسبب الحرب أو لعدم تأمين صيانتها أو أُضيفت إليها أقسام شوَّهت شكلها.
طاولت أعمال الهدم المنظم عدداً كبيراً من الابنية المصنفة ضمن المجموعات الثلاث، رفعت وزارة الثقافة الأمر مراراً خلال السنوات الماضية إلى مجلس الوزراء الذي ارتأى تأجيل البحث في هذا الموضوع. ومن اللافت أن تصنيف العقارات المبنية المجمّد هدمها في نطاق مدينة بيروت وفق خمس مجموعات قد أطاح مبدأ حماية مجموعات المباني وأعاد مبدأ حماية المباني المنفردة، ما انعكس سلباً على وحدة الأحياء التراثية القليلة الباقية في مدينة بيروت، لا سيما في ظلّ خطورة إزالة إشارة منع الهدم قبل إنجاز دراسة مدينية جدية وشاملة لا تخضع لضغوط أصحاب النفوذ وتأخذ بالاعتبار أهمية عدم عزل المباني المصنَّفة عن محيطها كون حماية مجموعات المباني التراثية هي حماية التراث المديني المعماري في جميع أُطره التاريخية والاجتماعية والاقتصادية.