القاهرة | في وقت تُعقد فيه جلسات حوار ليبية أخرى في كل من المغرب برعاية من الأمم المتحدة وفي مصر، يبدو أنّ المخاوف الأمنية والعسكرية أمدّت الدور الجزائري والوساطات التي يقوم بها بدفع سياسي كبير، إذ كان وزير الشؤون المغاربية والأفريقية الجزائري، عبد القادر مساهل، قد حدد، خلال الأسبوع الماضي، أحد أطر سياسات بلاده الليبية، بالقول إن «أمن ليبيا من أمن الجزائر».
ويُعد مبدأ ترابط الأمن بين البلدين بديهياً نظراً إلى الحدود المشتركة الممتدة لنحو 900 كلم وتقع غالبيتها في قلب الصحراء، وهي معزولة عن التجمعات السكنية وتصعب مراقبتها على مدار الساعة، كما يرتبط المحدد الأمني للدور الجزائري في ليبيا ــ على أهميته ــ بمحددات أخرى، أهمها البحث عن تفعيل الدور عربياً وأفريقياً في ظل التطورات المتسارعة. وهو الأمر الذي يفسره، مثلاً، التعديل الوزاري الأخير في الجزائر واستحداث منصبين وزاريين للخارجية: الأول للشؤون المغاربية والأفريقية، والآخر للشؤون الدولية.
لدى الجزائر تجربة
أوسع في التعامل
مع الإسلاميين أكثر من مصر

وللدبلوماسية الجزائرية باع في وساطات إقليمية لحل نزاعات، آخرها تلك التي تقوم بها راهناً في مالي ــ شمال مالي تحديداً. ما يعني أن بإمكانها إيجاد مخرج سياسي في ليبيا، أو أقله، المساعدة «على توجيه بوصلة الحل السياسي الليبي بصورة صحيحة»، كما قال أخيراً رئيس حزب «الجبهة الوطنية» الليبي، محمد عبد الله.
وترتكز المقاربة الجزائرية تجاه إعادة الأمن والاستقرار في ليبيا على ثلاثة محاور، وفق توصيف الباحث الجزائري، سمير قلاع الضروس، الذي تحدث إلى «الأخبار». يقول الضروس إن «المكون الأول هو تعزيز الحوار السياسي بين الأفرقاء الليبيين اعتماداً على تجربة الجزائر في مالي ودورها في إعادة السلم الداخلي، ثم تثبيت معادلة الحوار السياسي، وأخيرا العمل ضمن الأطر المؤسساتية الدولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن».
وعمليا، فإن الجزائر تسير وفق هذه المكونات الثلاثة ولا يتعارض دورها مع الدور الأممي الذي يقرّ بدور المقاربة الجزائرية، طبقا لتعليق المبعوث الأممي في ليبيا برنارد ليون. وحول حظوظ الدور الجزائري، يرى الضروس أن المقاربة الجزائرية تحظى بنوع من الإجماع لدى كل الأفرقاء الليبيين ودول الجوار، كمصر وتونس، ولا سيما لوجود التحدي الإرهابي في المنطقة. عن تبعات استضافة الجزائر لعائلة العقيد القذافي، يوضح الباحث أن «استضافة الجزائر للعائلة أحدث نوعاً من الإشكال بالنسبة للثوار في ليبيا وبالنسبة لمعارضي النظام السابق الذين يمثلون جزءا مهما في المعادلة السياسية الليبية، ولكن استضافة عائلات الأنظمة السابقة معمول بها في كل دول العالم، وهذا لا يعيق دور الجزائر».
في جانب آخر، فإنه يرى أنّ الإشكالية في ليبيا الآن تقع في اختلاف الأفرقاء على الأشخاص أكثر من اختلافهم في الأهداف، موضحاً أن العسكري خليفة حفتر، مثلاً، هو أحد أهم الإشكالات ومحورها الأول.
على ناحية أخرى، وفي ظل التوترات «المستدامة» بين المغرب والجزائر، فإنّ الأخيرة تبدو على تنسيق أفضل مع مصر، برغم خلافات مهمة بينهما. وفي هذا الإطار، يجيب الباحث المصري في الشؤون الإقليمية، إبراهيم عرفات، عن إمكانية أن يعيق التدخل المصري الدور الجزائري في ليبيا، بالقول إن «هناك خلافا في آلية التطبيق، ولا سيما بعد تحرك القيادة المصرية لضرب أهداف داعش في شرق ليبيا إثر إعدام 21 مصرياً (في شباط الماضي)».
ويوضح عرفات أنّ هذا الخلاف «اتضح في اجتماع جامعة الأمم العربية التالي للضربات الجوية المصرية، حينما أكدت الجزائر التنسيق مع مصر في الشأن الليبي لكنها تحفظت على التدخل العسكري بمفهومه الشامل»، وهو ما يدفعه إلى استنتاج وجود تعارض جوهري بين الجزائر والقاهرة، ولكنه اكتفى بوضع ذلك في إطار «تنسيق الأدوار»، إذ تدعم مصر «الجيش الوطني الليبي»، فيما ترعى الجزائر الحل السياسي السلمي، كما يقول.
أستاذ العلوم السياسية في «جامعة باتنة» الجزائرية، يوسف بن يزة، يقارب الأمور بطريقة مختلفة، فيقول إنه «من المفروض أن لا يتعارض موقفا الجزائر ومصر إزاء الوضع في ليبيا، لأن كلا البلدين على مرمى حجر من الخطر الإرهابي الناشئ بفعل اضمحلال الدولة الليبية». ويذهب بن يزة، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى القول إن ثمة تنافسا بين الطرفين على الإمساك بزمام الأمور تبعاً لحسابات مستقبلية، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «أطرافا ثالثة ورابعة تعبث بدورها في الساحة الليبية، لذلك فالمجهودات الفردية التي يقودها البلدان كل على حدة مهددة بالفشل ما دامت تسير بمعزل عن أي غطاء للأمم المتحدة أو الجامعة العربية على الأقل».
ويلفت بن يزة إلى نقطة تباين مهمة بين البلدين، حينما يتناول مسألة إشراك «الإسلاميين»، بمختلف أطيافهم، في الحل الليبي. ويقول إنّ «الإسلاميين جزء كبير من المشكلة ويجب أن يكونوا جزءا من الحل، وللجزائر تجربة في التعامل مع الإسلاميين بكل تشعباتهم، فقد استعانت أثناء الأزمة الأمنية بالتيار المعتدل واحتوته لتأطير كل الناشطين ثم استيعابهم. ويستدرك أستاذ العلوم السياسية بأن مصر حديثة العهد في محاربة الإسلاميين المتشددين، «لذلك هي ترفض الحوار معهم لأنها تحاربهم على أرضها وهذا خطأ، فالقطيعة التامة مع فئة معينة سيجعلها تستثمر في عدائها للنظام لمواصلة العمل المسلح».
كذلك فإنه يرى أن حظوظ الدور الجزائري وفرص نجاحه «أكبر» من نظيره المصري. وذلك لأنّ «الجزائر، عكس مصر، قامت بخطوات ميدانية في اتجاه لمّ شمل الفصائل المتناحرة ودعت كثيرا منها للحوار في الجزائر وهي تحاول تذليل الصعاب الكثيرة». ويتابع: «الجزائر تمتلك حظوظا كبيرة للنجاح بفعل تجربتها في الوساطة في كثير من البلدان، وبفعل الاستقرار السياسي والنشاط الدؤوب لدبلوماسيتها في هذا المجال».
وعموماً، يجيب بعض السياسيين الليبيين والخبراء، لدى سؤالهم عن مدى قبول الدور الجزائري، بالقول إنّ الجزائر تبقى الرافضة الأولى للتدخل الخارجي و«لمستنقع الحرب» التي ستتفتحها القوى الغربية، دون معرفة كيفية إنهائها!