في 21 أيار الماضي أصدرت محكمة الاستئناف المدنية في بيروت قرارها بشأن الاستئناف المقدّم من المحامي نقولا فتوش بوجه نقابة المحامين، طعنا بالقرار الصادر عن مجلس النقابة بشطب قيده من الجدول العام على خلفية الأقوال التي وجهها فتوش الى نقيب المحامين ومجلس النقابة عقب حادثة الاعتداء على الموظفة في قصر العدل في بعبدا منال ضو. قررت هذه المحكمة قبول الاستئناف وفتح المحاكمة مجددا واعادة دعوة الأفرقاء وحددت جلسة في 29/6/2015 للنظر في القضية مع وقف تنفيذ قرار شطب قيد فتوش من الجدول في مرحلة النواع القائم، كما قررت رد طلب تدخّل المحامي محمد مغربي في النزاع الراهن، والزمته بدفع مبلغ 10 ملايين ليرة الى النقابة وتغريمه مبلغ مليون ليرة!
الا ان الاخطر في قرار هذه المحكمة انه كرّس سلطة مجلس النقابة الإدارية في الإشراف على شؤون النقابة ومراقبة توافر شروط الانتساب على نحو مستمر ودائم، ولا سيما لجهة توافر شروط المادة 5 من قانون تنظيم مهنة المحاماة، وتحديداً تمتع المحامي بسيرة توحي بالثقة والاحترام.
قرار المحكمة أثار نقاشاً واسعا بين المحامين. فمما لا شكّ فيه أن غالبية المحامين يقفون ضد فتوش إلا أنهم يرون أن هذا القرار يستبيح جميع المحامين. فالقرار جدالي من حيث انه قبل مبدأ الشطب الإداري ووسّع آفاقه وأذن لمجلس النقابة بأن يتخذه في ما يتخطى إطار مسألة عدم دفع الرسم السنوي وعدم اتخاذ مكتب للمحامي وهي امور حددها قانون تنظيم المهنة. يؤكد المحامي نزار صاغية انّ «هذا القرار ليس في مصلحة حق الدفاع الذي تؤتمن عليه النقابة لأنه يحرم المحامي المثول أمام المجلس التأديبي ويعطي للمجلس حقاً ادارياً بالشطب».
يفصّل مصدر قانوني قرار المحكمة متسائلاً «الى اي حد يجوز لمجلس النقابة ان يمتلك سلطة شطب المحامين بناءً على اعتبارات تتعلق برؤيته لمسألة ما اذا كانوا يتمتعون بسيرة توحي بالثقة والاحترام. وفي هذه الحالة فإن المعايير الاخلاقية وحتى القانونية الاجتهادية قد تختلف اختلافاً واضحا وشاسعاً، بحيث لا يعود هناك ناظم او ضابط لها سوى ارادة مجلس النقابة». ويضيف «هذا امر خطير لأنه يجعل للمجلس سلطة مطلقة على المحامين في وقت لا تتاح فيه للمحامي فرصة الدفاع المشروع، وهو حق مقدس، بوجه قرار بالشطب الاداري يعدّ نافذا فوراً باعتباره قرارا اداريا، فيما القرار التأديبي الصادر عن مجلس تأديبي مشكّل لهذه الغاية، وتتاح امامه فرصة الدفاع عن النفس لا يكون نافذا بحق المحامي الا بعد ابرام القرار لدى محكمة الاستئناف».

أي محامي مستقل لا يمكن أن يشعر بالإطمئنان أمام هذا الحكم

الأمر الآخر يتعلق بقبول توسيع أفق الاجتهاد في ما يختص بما أولي لمجلس النقابة من صلاحيات، ولا سيما إذا ما أسيء في لحظة ما استعمال هذا الحق انطلاقاً من اعتبارات سياسية أو نقابية ما يحرم المحامي مهنته. يرى المصدر أنه «كان يجب التأكيد أن القرارات الخاصة في الشؤون التأديبية لجهة الفصل او الشطب لا تكون الّا من مجلس تأديبي مشكّل أصولاً تجري أمامه محاكمة وفقاً لأعلى معايير العدالة وتتاح فيه فرصة الدفاع عن النفس لأن حق الدفاع مقدس في أيّ محكمة».
وفي ما يتعلق بطلب المحامي محمد مغربي التدخل في النزاع «لكون القرار المطعون فيه يرسي قواعد جديدة في علاقة النقابة بالمحامين»، فقد رفضت المحكمة الطلب وألزمت المحامي، في سابقة مستغربة جدا من العديد من المحامين، دفع مبلغ 10 ملايين ليرة الى النقابة. وهنا، يؤكد المصدر أنّ «تدخل المحامي مغربي كان يجوز اجتهادا النظر اليه من باب الحق في التدخل لأي محامٍ اذا رأى ان قراراً ما، فيما إذا قُبل مبدأه وترسّخ الحق فيه، قد يضر بمصلحته الشخصية، وأنه سيصبح قاعدة عامة تطبق على مجموع المحامين، وحيث ان الأمر المطروح امام المحكمة كان مسألة مدى صلاحية مجلس النقابة من موضوع الشطب الاداري، وما اذا كان قانون تنظيم المهنة قد وسّع أفق هذا الشطب فقد كان جائزا قبول تدخل المحامي مغربي او اي محامٍ اخر ليدلي بدلوه في هذا الشأن». ويضيف المصدر «إذا كانت المحكمة تستقل في تقدير العطل والضرر، فقد كان يجوز النظر في مسألة حسن النية وسلامة الهدف من التدخل بصورة أخرى». أمّا تعليق تنفيذ قرار الشطب الاداري في ضوء الإدلاءات، فقد كان يمكن أيضاً النظر اليه بصورة أخرى لا توقف التنفيذ ما دامت المحكمة قد تبنّت حق مجلس النقابة في الشطب الإداري، واعتباره نافذا فورا. يستغرب صاغية «الغرامة الباهظة بالنسبة إلى اجتهادات المحاكم بشأن طلب التدخل في هذه الدعوى»، لافتاً الى أنّ «أي محامي مستقل لا يمكن أن يشعر بالاطمئنان أمام هذا الحكم».