من بين الوثائق التي نشرت أمس، 12 ألف وثيقة أظهرت التحضيرات التي سبقت توقيع اتفاقية كامب دايفيد في عام 1978، بين الرئيس المصري الراحل أنور السادات ورئيس حكومة العدو مناحيم بيغين، وبحضور الرئيس الأميركي جيمي كارتر، وذلك كشاهد عليها.
نصت الاتفاقية على انسحاب إسرائيلي من شبه جزيرة سيناء، بالإضافة إلى تراجع العدو إلى حدود 1967، خصوصاً في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما لم يجر حتى يومنا هذا. وأظهرت الوثائق المسربة الجهد الذي بذلته الولايات المتحدة للتسويق لاتفاقية السلام وما حصلت عليه إسرائيل في المقابل من مساعدات: أسلحة، نفط، وأموال. ففي إحدى الوثائق المؤرخة بتاريخ 30 تشرين الأول 1978، التقى سفير الولايات المتحدة في الرياض بالأمير عبدالله بن عبد العزيز الذي كان رئيساً للحرس الوطني السعودي حينها للطلب من السعودية الضغط على الفلسطينيين للتسويق للاتفاقية. وفي وثيقة تحمل رقم 1978CAIRO00070_d قال السادات لمستشار إلمانيا الغربية هلموت شمت إن «بيغن رجل جديّ وصريح وشجاع»، وإنه غير متشائم مما يحمله المستقبل.

ونقل السادات ما قاله له بيغن إنه «مستعد للتفاوض بكل شيء إلا في ما يتعلق بزوال إسرائيل». أما في ما يتعلق بمرتفعات الجولان، فقال السادات إن «هذه المسألة تعني (الرئيس السوري الراحل حافظ) الأسد ولا تعنيه»، ووصفها بأن «لا أهمية سياسية لها، ومشكلتها الرئيسية عسكرية». وعندما سأل شمت السادات عن كيفية بلورة فكرة توجهه الى القدس المحتلة، أجاب: «طلبت من الرئيس كارتر، في نيسان الماضي، الاتصال بي عندما تواجه جهود الحكومة الأميركية مع الإسرائيليين طريقاً مسدوداً». أضاف السادات: «في تشرين الأول كتب لي الرئيس كارتر، «عالق» وذلك توصيفاً للوضع، وقد طرأت الفكرة وأنا في طريقي الى رومانيا، وقد شجعني شاوشيسكو (رئيس رومانيا) على ذلك».
أما عن نظرة الدول العربية للاتفاق المنوي توقيعه، فقد نقل شمت للسفير الأميركي ستيلتزر أن «السادات تحدث بإيجابية عن السعودية، وأن السعوديين يدعمون خطوته برغم من قولهم ذلك علناً». أما موقف منظمة التحرير الفلسطينية، فقال شمت إن السادات «انتقد الرئيس المصري ياسر عرفات قائلاً انه لا يمكن فعل شيء معه». وبشأن موقف الأسد، نقل شمت أنه «كان أخف انتقاداً تجاهه». وقال السادات للمستشار الإلماني ان «الأسد سجين موقفه، وهو يختبئ خلف الآخرين. كان بإمكانه الحصول على (اتفاقية) جنيف العام الماضي لكن عوضاً عن ذلك وضع العراقيل». وفي وصفه لمعمر القذافي، قال السادات إنه «مختل عقلياً».
وفي وثيقة صادرة عن تل أبيب وتحمل رقم 1978TELAV00007_d، التقى السفير الأميركي بوزير خارجية العدو حينها موشي دايان الذي «اعتذر لمقاطعته عطلة نهاية العام، لكن رئيس الحكومة بيغن طلب مني الحديث معك، في أسرع وقت ممكن، للحديث عن زيارة كارتر المرتقبة للسادات». وأبلغ دايان السفير الأميركي ان «بيغن يتفهم الضغوط التي قد يمارسها السادات على كارتر لدعم موقفه لإدخال تعبير «دولة فلسطينية» أو استعمال عبارة «تقرير المصير» في «اتفاقية إعلان النيات»، لكن مهما فُتح هذا الموضوع معه (بيغن) فهو لن يقبل عرض السادات». وقال دايان إنه «إذا وافق الرئيس على موقف السادات، فإن ذلك سيؤزم الموقف وسيسبب صعوبات حقيقية». أضاف: «إذا قال الرئيس المصري هذه العبارات شيء، أما موافقة الرئيس الأميركي عليها فهو شيء آخر». وقد عرض دايان أمام السفير عبارات عدة يمكن استخدامها عوضاً عن حرية تقرير المصير والدولة الفلسطينية مثل «حكم ذاتي، لكن من دون التحديد الجهة التي تعود لها السيادة على الأرض».
وفي وثيقة تعود الى 3 كانون الأول، قال وزير الخارجية المصري إسماعيل فهمي لسفير أميركا إن السادات قال له إن «بيغن عرض خريطة على تشاوشيسكو تظهر مناطق ملونة ممتدة من رأس الناقورة شمال فلسطين الى جنوب حيفا، وبعرض 40 كيلومتراً، وقال بيغن إنه سيجمع فيها فلسطينيي الضفة الغربية وغزة وينقل الإسرائيليون الى الضفة الغربية وغزة».
وفي وثيقة تحمل رقم 1978STATE000058_d، أعلن ملك الأردن حسين موافقته على الدخول في «مفاوضات حول غزة والضفة الغربية»، مؤكداً أنه و«شاه إيران لا يريدان ولا يحبذان إنشاء دولة فلسطينية مستقلة».
أما بالنسبة إلى الفلسطينيين، فتظهر إحدى الوثائق لقاء عضو الكونغرس فيندلي برئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، الذي حمّله رسالة الى كارتر يعرب فيها عن استعداده للقبول بدولة فلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية. ورفض الأميركيون الاعتراف بهذه الرسالة خوفاً من عرقلة عملية السلام بين مصر واسرائيل، خصوصاً ان الولايات المتحدة لم تكن تعترف بمنظمة التحرير ممثلاً عن الشعب الفلسطيني في ذلك الوقت.
وفي حديثه مع أبو عمار، سأل فيندلي عرفات عن العمليات الخارجية التي تقوم بها المنظمة فقال: «لم نأمر بعمليات ضد الإسرائيليين ولا علاقة لي بعملية ميونيخ، لكن في النهاية لا يمكنني السيطرة على كل شعبي». ووصفت الوثيقة في ختامها عرفات بأنه «كذاب محترف، قد يخضع للمتشددين في منظمته».