كانت لحظة خارج الزمن والتاريخ حين حكمت محكمة جنايات القاهرة بإحالة أوراق الرئيس المعزول محمد مرسي وقيادات أخرى في جماعة الإخوان المسلمين على مفتي الجمهورية. أي بالإعدام بما أن رأي المفتي استشاري فقط ولا يمكن أن يخالف رأي المحكمة، وإن حدث فإن رأي الأخيرة هو النافذ. المضحك المبكي أن الأحكام بالإعدام طاولت أشخاصاً ونتحدث هنا عن 3 فلسطينيين تحديداً، لا يمكن أبداً أن يكونوا شاركوا في التهم المنسوبة إليهم وهي التخابر أو اقتحام سجن وادي النطرون. حسن سلامة مثلاً أسير في السجون الإسرائيلية منذ عام 1996. وحسام الصانع استشهد أثناء العدوان على غزة عام 2008، وتيسير أبو سنيمة استشهد في 2009 أي قبل ثورة 25 يناير 2011.

وهذا ما يجرّد القرار من الصدقية بل ويعرّض القضاء المصري كله لأن يكون مادة للسخرية يتندّر بها القريب والبعيد، أكان داخل مصر أو خارجها. فكيف للموتى أو الأسرى أن يشاركوا في أعمال وهم أصلاً بعيدون عن ساحة الحدث؟
هذا الموقف بالذات يذكّر بطرفة تقول إن أحد المدرّسين المصريين كان يقرأ نصّاً أمام تلاميذه يقول فيه: «وقال الأسد للذئب: هات أرني حكمتك واقسم الصيد بيننا...»، فرد أحد التلاميذ: «هو الأسد بيتكلم يا أستاذ؟»، فقال المدرس: «لا، الأسد ما بيتكلمش بس وزارة المعارف عايزاه يتكلم!».
هل يقبل السيسي
أن يُكتب عنه أنه الرئيس الذي دخلت البلاد في عهده حرباً أهلية؟
وهذا بالضبط ما جرى في الحكم على حسن سلامة ورفقائه الشهداء.
المفارقة أن القاضي شعبان الشامي الذي حكم بالإعدام على الرئيس المعزول محمد مرسي هو نفسه الذي أيد قرار إخلاء سبيل الرئيس المخلوع حسني مبارك عام 2013 في قضية الكسب غير المشروع.
كيف يتقبل العقل حكماً بالإعدام على رئيس لم يمكث في الحكم سوى سنة واحدة فيما يتم التغاضي عما فعله رئيس جثم على صدر مصر طيلة 30 سنة؟
وكيف يمكن لشرائح واسعة من الشعب ومن غير جماعة الإخوان أو المتعاطفين معهم أن تتقبل الحكم فيما ترى أحكام البراءة وإخلاء السبيل تطاول جميع من حوكم ودخل السجن من رموز النظام السابق؟
لا يعي النظام ما تعنيه هذه الأحكام وتأثيرها في السلم الأهلي واللحمة الاجتماعية. لأن قرار إعدام رئيس منتخب أيّاً كانت أخطاؤه كفيل بإدخال البلاد كلها في نفق مظلم لن تخرج منه قبل عشرات السنين؟
كما أنه لن يجلب الأمن والأمان الى مصر، بل على العكس من ذلك سيزيد من حالة الاحتقان في الشارع وسيؤجج النيران المشتعلة، ولن يجد الاستقرار طريقه الى حياة الشعب المصري الراكض وراء لقمة العيش والحياة الكريمة.
وقد رأينا كيف أنه لم تكد تمرّ ساعات على النطق بالحكم حتى أمطر مسلّحون مجهولون في شمال سيناء سيارة كانت تقل ثلاثة قضاة بالرصاص فأردوْهم قتلى. وبعد ذلك بيومين أضرم مجهولون آخرون النار في سيارة نائب رئيس محكمة النقض في المنيا.
وها هي جماعة ما يعرف باسم «ولاية سيناء» المرتبطة بتنظيم داعش، تدعو إلى استهداف القضاة بعدما أعلنت مسؤوليتها عن مقتل القضاة الثلاثة في سيناء.
كيف يكون للسلطة الوقت والإمكانات للالتفات لإعادة بناء اقتصاد البلاد وهي منشغلة بمكافحة الإرهاب المستوطن في سيناء وغيرها من بؤر التوتر في البلاد؟ مع كل ما يعنيه هذا من خسائر في الأرواح والممتلكات والمنشآت إذا نظرنا للأمور من زاوية اقتصادية بحتة.
وكيف يمكن للمستثمرين الأجانب أن يأتوا إلى بلد غير مستقر أمنياً وسياسياً؟
وهل يمكن التعويل على المعونات والودائع الخليجية، ونحن نرى التراجع الحاد في أسعار النفط واستنزاف موارد بعض دول الخليج في حروب خارج حدودها ناهيك عن مشاكلها الداخلية من بطالة وفقر؟
أمام الرئيس السيسي مسؤولية أمام الشعب والتاريخ.
هل يقبل أن يُكتب عنه أنه الرئيس الذي دخلت البلاد في عهده حرباً أهلية أتت على الأخضر واليابس، وهو الذي قال إنه أزاح الرئيس مرسي من الحكم حفاظاً على مصر وشعبها؟ وقال أيضاً إن مصر مستهدفة من الخارج وهو محق في ما قاله.
هناك طريقان لا ثالث لهما: إما اتخاذ خطوات جريئة تطفئ النار المشتعلة وتطمئن الشعب، كل الشعب، على مستقبله ومستقبل أولاده أو الاستمرار في هذه الإجراءات الاستفزازية والإقصائية، وهنا لا يمكن لأحد التنبؤ بما سيحدث. فقد نبدأ المعركة لكننا قد لا نملك الوسيلة ولا الفرصة لإنهائها.
فهل هذا ما نريد لمصر أمّ الدنيا التي وعدونا بأن تكون قدّ الدنيا؟
* صحافية جزائرية ــ فرنسا