أتمّ الشغور الرئاسي في لبنان أمس عامه الأول، بعد أكثر من 23 جلسة نيابية دعا إليها الرئيس نبيه برّي لانتخاب رئيس للجمهورية، ولم يكتمل نصابها.وفيما تبدو الحوارات الداخلية بين القوى السياسية «تأجيلاً» للاشتباك، في ظلّ وقوع لبنان في أسفل سلم الأولويات الإقليمية والدولية، يبدو إصرار التيار الوطني الحرّ ورئيسه النائب ميشال عون على مبادرة «انتخاب الرئيس من الشعب»، اختراقاً للجمود السياسي.

ويراهن كل من «تكتّل التغيير والإصلاح» وفريق 14 آذار هذا الأسبوع، على موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي، حيث تتسلّح مصادر «التكتل» خلال الحديث عن مبادرة عون، بموقف الراعي في عظة الأحد أمس، الذي أشار إلى أن «المدخل الرئيسي لانتخاب الرئيس إنما هو العودة إلى الدستور واستلهامه في كل مبادرة فعلية ومنطقية من شأنها أن تؤدي إلى الحل المنشود». وتؤكّد المصادر أن «هذه المرة هناك اتجاه عند بكركي وحزب القوات اللبنانية وتيار المردة لقبول هذه المبادرة، وإذا اتفقنا، فلن تبقى حجة عند أي طرف لرفضها». وتعني المصادر على نحو أساسي تيار المستقبل «الذي يريد كل شيء أو لا شيء، إذ لم نطرح مبادرة إلا رفضها». وتذكر أن «حزب الكتائب دائم التردد»، وأن «الرئيس أمين الجميل غير جدي، ولكنه فعلياً غير أساسي في العملية». في ما خص «استفتاء الشعب حول المرشحين الرئاسيين»، تشير مصادر التيار الوطني الحرّ إلى أن « الراعي كان سبّاقاً حين أعلن أنه أجرى استطلاعاً للرأي عند المسيحيين، من دون أن يكشف عن النتائج. الاستفتاء الشعبي قد يقودنا إلى اجتماع يضم جميع المسيحيين في بكركي». وبعدما أنهى «التكتل» جولات نوابه على الكتل النيابية الأخرى والقوى السياسية، تقول المصادر إنه «خلال الاجتماع الأسبوعي للتكتل يوم الثلاثاء سيجري تقويم نتائج المرحلة الأولى من الجولات، ووضع برنامج عمل المرحلة الثانية، وسيكون هناك جولات أخرى على بعض القوى، يُحدد توقيتها بعد أن تصلنا الأجوبة عن المبادرة».

ملف عرسال على طاولة مجلس الوزراء والحوار مستمر
وتكشف أن عون «سيُعلن معطيات جديدة لها علاقة بمبادرته، يجب ألّا يستخف أحد بهذا الموضوع، وإذا اتفقت القوى المسيحية وبكركي فسيُصبح الأمر مُحرجاً للآخرين».
وكان عون قد أكد خلال لقائه وفوداً شعبية أن «قيادة الجيش ورئاسة الجمهورية وكل الوظائف الأولى حق لنا، وأغلبية المسيحيين نحن نعينهم والحكومة تثبت تعيينهم، ومن لا يعجبه فليضرب رأسه بالحائط. ونحن احترمنا حقوق الجميع، ولكن ألا يحترمنا الآخرون بالدرجة نفسها، فهذا لن نقبله». وصعّد عون موقفه داعياً الوزير مقبل إلى «الاستقالة إذا كان غير قادر على التقيّد بالقانون»، مشيراً إلى أن «وزير الدفاع ملزم تنفيذ القانون وتعيين قائد جيش، لا التمديد لحالة غير شرعية، وإن لم يكن قادراً على ذلك فليستقل، ومن يرفضنا في هذا البلد نرفضه أيضاً». كذلك تمنّى بو صعب على مقبل أن «يُحكّم ضميره ويقوم بما يمليه عليه ضميره، لا ما يمليه عليه الذين عينوه في هذا الموقع». في المقابل تؤكد مصادر وزارة الداخلية أن «الوزير نهاد المشنوق لم يحسم أمره حتى الآن بشأن مصير المدير العام لقوى الامن الداخلي قبل إحالة اللواء ابراهيم بصبوص على التقاعد يوم 5 حزيران المقبل، وهو يصر على أخذ كل الوقت المتاح حتى استكمال المشاورات التي بدأها مع عون ويستكملها مع أطراف أخرى».
من جهتها، توقّعت مصادر 14 آذار أن «يطلق الراعي بعد اللقاء الذي سيجمعه يوم غد بوفد نيابي آذاري موقفاً جازماً وقوياً، ينطلق من حرص بكركي على اتفاق الطائف، بعكس مبادرة عون».

عرسال في أول جلسة للحكومة

من جهة ثانية، وفيما يتصدّر موضوع عرسال واجهة المشهد السياسي والأمني، في ظلّ تأكيد نصرالله أمس قرار «استكمال معركة الحدود اللبنانية ـــ السورية حتى النهاية»، بدا لافتاً لجوء تيار المستقبل إلى إضفاء طابع مذهبي على أي معركة لتحرير الجرود التي يحتلها إرهابيو «القاعدة» و»داعش». وبرز أمس ما قاله موفد تيار المستقبل إلى الحوار، وزير الداخلية نهاد المشنوق، للمرة الأولى، في ردّه على نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، مشيراً إلى أن حديثه يدعو إلى «تدمير عرسال لا إلى تحريرها»، لافتاً إلى أن «ما نسب لقاسم لا يمكن إلاّ أن يؤثّر في أجواء الحوار الجاري بين المستقبل والحزب»، لكنّ مصادر المشنوق أكّدت لـ«الأخبار» أن «الحوار مستمر مهما تكن الصعوبات التي تواجهه».
ومع أن الحكومة اللبنانية نجحت في ظل الفراغ، حتى الآن، في تخطّي الكثير من العقبات التي هدّدت استمراريتها، تجد نفسها اليوم أمام «قطوع» الحديث عن معركة طرد الجماعات التكفيرية من جرود عرسال المحتلّة، ففيما يسعى رئيس الحكومة تمّام سلام إلى تحييد هذا الملف عن جدول أعمال الحكومة، يُصر «تكتل التغيير والإصلاح» ووزراء 8 آذار على فتح النقاش حول أزمة الجرود في داخل الحكومة، وخصوصاً بعد إشارة عون إلى عرسال أكثر من مرّة في تصريحاته الأخيرة، وحديث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أمس. ولن تفلح محاولات سلام قطع الطريق أمام وزراء التكتل وحزب الله لطرح الموضوع في مجلس الوزراء، واتخاذ موقف منه، إذ أشارت مصادر التكتل إلى أن «الوزيرين بو صعب وجبران باسيل سيعاودان إثارة الموضوع في أول جلسة تُعقد، من باب أن إرهابيي جبهة النصرة تجمّعوا في جرود عرسال». وسيطالب «باسيل وبو صعب بموقف واضح من الحكومة بعد طرح أسئلة بشأن ما إذا كان هناك تخوّف حقيقي من خطر هذه الجماعات على الساحة الداخلية». وقالت المصادر إن «كلام الوزيرين سيكون ترجمة لخطاب عون الأخير الذي تناول فيه ملف عرسال وطالب الحكومة بتحمّل مسؤوليتها. هذا الموضوع ليس ثانوياً بالنسبة إلينا، ويجب أن يُطرح بقوة حتى لو أدى إلى سجال داخل الحكومة، فهذا هو توجه العماد عون». وأشارت المصادر إلى أن «بو صعب ينتظر من وزير الدفاع سمير مقبل الإجابة عن سؤالين طرحمها في آخر جلسة، يتعلقان بحجم الخطر وعدد عناصر جبهة النصرة الموجودين فوق الأراضي اللبنانية، وما إذا كانت الحكومة ترى أن عرسال صارت أرضاً محتلة يجب تحريرها أم لا».