دمشق | كانت قرية غباب (35 كم عن دمشق)، التابعة لمحافظة درعا، مقرّاً للجامعة الدولية للعلوم والتكنولوجيا، حتى منتصف عام 2012. آنذاك اتخذت إدارة الجامعة من أرض كيوان الزراعية الكائنة شمالي منطقة المزة، مقراً مؤقتاً لها. تتحدث بثينة بغدادي، وهي متخرجة صيدلة، عن سوء الظروف أثناء الانتقال من درعا إلى دمشق، وتقول في حديثها لـ«الأخبار»: «قلّت فرص التعليم وأخذ المحاضرات، ونحن ندفع ما يترتب علينا».
لم تحصل بثينة، كما باقي زملائها، على المقدار الكافي من المحاضرات، لأن المقر الجديد مزدحم بالطلاب، وغير مجهّز بعوازل جدارية للصوت، فالطالب يشعر وكأنه يجلس وسط الطريق العام، بين السيارات وأبواقها، إذ إن «المقرّ عبارة عن خيمة معدنية كبيرة فيها كراسٍ مقسّمة إلى صفوف، تفصل بينها ألواح خشبية رقيقة. وبعد مرور فصل دراسي، بدأنا الدروس العملية في غرفتين لحضانة أطفال، تحولتا إلى مختبرات، في منطقة الشيخ سعد بالمزة»، ثمّ تحوّلت الخيمة الكبيرة إلى مقرّ رسميّ، بمعدّات أفضل من ذي قبل.
على طريق درعا ـ دمشق (غباغب) كانت تنتشر جامعات خاصة عدة، منها مثلاً: الجامعة السورية، والجامعة الدولية، والجامعة الأوروبية، وجامعة قاسيون، وجامعة الرشيد، وجميعها اضطرت، بفعل الحرب، للانتقال إلى مقارّ مؤقتة، في قلب العاصمة، أو على أطرافها. احتلت تلك الجامعات بعض المقاهي والمطاعم التي أغلقت بسبب انتشار مرض التهاب الكبد، إلى جانب روضات الأطفال، والمشافي الصغيرة.

الطالب يشعر وكأنه يجلس وسط الطريق العام

تتحدث علا شعبان، الطالبة في جامعة الرشيد التي أصبح مقرّها في إحدى مدارس المزّة للتعليم الأساسي، عن تأثيرات نزوح الجامعات على العملية التعليمية، فتقول: «البرامج تغيرت بحسب دوام الأساتذة. ألغيت مواد، وأصبح لكلّ مدرّس عدّة مواد يعطيها للطلاب، فضلاً عن الأساتذة الأصدقاء لإدارة الجامعة الذين يدرّسون في جامعة دمشق العامّة، وكلياتنا الخاصة بلا نفْس». بينما يرى أحمد محايري، الطالب في الجامعة الأوروبية، أن المقارّ المؤقتة أقرب إلى منزله في دمشق، «فمقرّ الجامعة أصبح في مسبح الفيحاء، وجزء من فندق سميراميس، وسط دمشق»، وفيما لم يعد لدى أحمد مشكلة في الدوام اليومي، حيث وفرت الجامعة باصات لنقل الطلاب داخل العاصمة، فإن زملاءه من محافظة السويداء، أو درعا، أجبروا على دفع أجرة غرفة مشتركة للطلاب في جرمانا، بلغت 25 ألف ليرة، فضلاً عن تكاليف الدراسة في الجامعة، وكان الحلّ المقترح، من الجامعة، تجميد فصول الدراسة للطلاب من خارج دمشق، إلى حين توفير مسكن لهم.
عاش الطلاب على مدى سنتين من تاريخ النزوح وقتاً عصيباً، فالمناهج وترتيب الصفوف لم يكن مناسباً، خصوصاً أن رسوم التسجيل لم تنخفض، وكلّ ذلك انطلاقاً من أنّ إدارات الجامعات تعاملت مع الحال على أنه «ظرف حرب»، وعلى الجميع التأقلم معه.
نيفين عياش، الطالبة في جامعة قاسيون، قسم الميكانيك، مطالبة بالدوام بشكل مستمر، لأن نسبة غياب تبلغ 15% تحرمها التقدم للامتحان العملي، «وبالتالي علينا دفع ثمن التسجيل مجدداً، لنتقدم لفحص المادة، ودراستها». رغم أن الجامعة سمحت، في الأسابيع الأولى، للطلاب الذين يعيشون في المناطق البعيدة، بالحضور، وتلقّي المحاضرات عبر الإنترنت، للتخفيف من ضغط الحضور في المقارّ الجديدة.
أحد التجار كان ينوي التفاهم مع إداريين في الجامعة، لاستثمار «دمسيكون مول» في حي كفرسوسة، في العاصمة، كمقرّ للجامعة، لكن ذلك يعني أن تكلفة التسجيل في الجامعة، ستصل إلى حد مليون ليرة سورية سنوياً، الأمر الذي أثار لغطاً وخوفاً بين الطلاب، ما أدّى إلى توقف الصفقة، أو ربّما تأجيلها، بحسب ما قاله أحد التجار الشركاء في هذا المشروع لـ«الأخبار»، رافضاً ذكر اسمه.

«أبيع الحلويات وأنام في المستودع»

الزحام اليومي في ساحة المرجة لم يحل دون تمكن بعض الطلاب من إيجاد مكان، قرب فندق الفراديس، حيث المقر المؤقت للجامعة العربية الدولية. هناك يقطن سعيد العبد الله، في المكان الذي يعمل فيه ليلاً، وذهب إلى جامعته صباحاً: «أبيع هنا الحلويات بعد دوامي، وأنام ليلاً في مستودع المحل، في الطابق السفلي لهذا المعمل الصغير» يقول الشاب العشريني، القادم من درعا. ويؤكد أن أجرته في المحل لا تصل إلى 30 ألف ليرة شهرياً، إضافة إلى مأكله ومشربه ومنامته، ويتابع: «في غباغب، المقر القديم، كان الطريق إلى بيتنا، رغم الظروف السيئة، أوفر، لأن ثمّة منزلاً أنام فيه وجامعة بحجم القرية».