عشرة أشهر كانت كفيلة بولادة قوات شعبية وعقائدية استطاعت أن تكون نظيراً وخصماً كفواً لـ«داعش» بعد الإنهيار المفاجىء للجيش والقوات الأمنية العراقية في أكثر من مدينة عقب سقوط الموصل وعدد من المدن الشمالية المحاذية لها في حزيران الماضي والتي اطلق عليها في ما بعد تسمية «الحشد الشعبي» أو «الحشد الوطني» وشكلت فيما بعد هيئة رسمية خاصة لتنظيم عملها وشؤون منتسبيها. في غضون تلك الفترة، استطاع «الحشد» أن يوقف زحف «داعش» نحو بغداد ومدن «شيعية» جنوبية ككربلاء والنجف التي كانت تعتبر هدفاً معلناً للتنظيم التكفيري.
وفي غمرة الهجمة الشرسة التي تعرض ويتعرض لها «الحشد» من قبيل مزاعم بممارسة انتهاكات لحقوق الإنسان والقيام بأعمال نهب وسلب في المدن التي يحررها، قرر مجلس الوزراء العراقي مؤخراً اعتبار «الحشد الشعبي» جهة رسمية مرتبطة برئيس الحكومة القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي، موجهاً الوزارات والمؤسسات الحكومية بالتعامل مع هيئة «الحشد الشعبي» وفق ذلك. القرار أثار مخاوف أوساط «سنية» رأت فيه مقدمة لاجهاض او تأخير إقرار قانون «الحرس الوطني» المثير للجدل الذي يُخشى من أن يكون مقدمة لتقسيم العراق وتشكيل ميليشيات جهوية وطائفية، لكن الحكومة العراقية، وعبر المتحدث باسمها سعد الحديثي، سعت إلى تبديد تلك المخاوف، مؤكدة أن قرار مجلس الوزراء الأخير «لا يعارض قانون الحرس الوطني ويعد نافذا لحين اقرار القانون».
تأكد رئيس الحكومة العراقية
أن «الحشد» له غطاء قانونياً وارتبط كهيئة بالدولة
ويبيّن الحديثي أن «هيئة الحشد الشعبي تعاني معوقات ومشكلات كثيرة بسبب عدم وجود هيكل رسمي لها، وجهة قيادة ترتكز عليها عند حدوث أي طارئ»، مضيفاً «لذلك جاء القرار بوجه الخصوص الى الوزارات والحكومات المحلية التي تكون في تماس مع تلك الهيئة، منها وزارة الدفاع والنقل وحقوق الانسان».
رئيس الوزراء، حيدر العبادي، جدد حديثه عن شرعية «الحشد الشعبي» خلال الاحتفال بالذكرى السنوية لاستشهاد السيد محمد باقر الحكيم ببغداد، حيث أكد أن «السلاح محصور بيد الدولة وان الحشد الشعبي له غطاء قانوني وارتبط كهيئة بالدولة وبالقائد العام بقرار من مجلس الوزراء ووضع في موازنة عام 2015»، مشدداً على أنه «لا يقبل مساواة الحشد الشعبي بالميليشيات، والتخويف من الحشد فيه ظلم كبير، وان الحشد يشمل جميع مكونات الشعب العراقي».
ويرى خبراء ومتخصصون في القانون أن من شأن هذه الخطوة ان توفر حماية وحصانة قانونية لمنتسبي «الحشد الشعبي» وتؤطر عملهم بشكل قانوني خصوصاً وتردع كافة التجاوزات والمزاعم بارتكاب انتهاكات لحقوق الانسان من قبل سياسيين وزعماء قبائل وعشائر.
أستاذ القانون هادي العاني أكد لـ«الأخبار» أن «انتقال الحشد الشعبي من تشكيل تعبوي لوجستي تشكل بفتوى المرجعيات الدينية، إلى نظام الهيئة المستقلة، ثم إلى هيئة تابعة لرئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة، اكسبه صبغة قانونية لا يمكن لجهة معينة الطعن فيه من الناحية السياسية والقانونية». وأضاف «القانون وفق إعلان العبادي يربط الحشد برئيس الحكومة ما يمنح الحشد الشعبي صبغته القانونية، على أن ذلك لا يلغي ضرورة تكريس مشروعيته الدستورية من خلال تشريع يمر داخل المجلس النيابي يحدد هويته وطابعه ومهماته والمبالغ المالية التي يمكن أن تخصص له من موازنة كل عام، فضلاً عن مستحقاته القانونية، والاحكام العسكرية التي ستطبق عليه وفق قانون الانضباط العسكري».
يقول الخبير القانوني علي التميمي لـ «الأخبار» متحدثاً عن قرار العبادي بشأن اعتبار «الحشد الشعبي» هيئة تابعة له إنه «وفق المادة 78 من الدستور العراقي فإن رئيس الوزراء هو القائد العام للقوات المسلحة، والحشد الشعبي هو هيئة جرى تشكيلها وفق الماده 108 من الدستور التي تتيح انشاء الهيئات وجعلت هذه الهيئة تابعة لوزارة الدفاع».
وأضاف «أما الغطاء القانوني فان مجلس النواب خصص لهذه الهيئة مبالغ مالية في قانون الموازنة العامة للبلاد، وهذا يعطيها الصفة الشرعية وبالتالي هذا الحشد هو ليس ميليشيات ولا يخالف المادة 9 من الدستور التي تمنع وجود المليشيات، وبالتالي فان هذه الهيئة يمكن ان ينضم لها كل العراقيين بغض النظر عن طوائفهم وهي قانونية قطعا».
ويؤكد الخبير القانوني أحمد الشمري لـ«الأخبار» إمكانية رفع قيادات «الحشد الشعبي» ورئيس الحكومة بحكم أن «الحشد» ارتبط به، دعاوى قضائية ضد أي شخص يطلق لفظة الميليشيات على «الحشد الشعبي» أو محاولة تضليل الرأي العام باعتباره منظمة او تشكيلا خارج عن القانون». وبيّن أن «صبغ العبادي الحشد بصبغة قانونية يعطيه الحصانة القانونية من الاستهداف السياسي، وتنطبق عليه قوانين القذف والشتم والسب من القانون العراقي، إذا استهدفته جهات سياسية داخلية، وحتى دولية».