أطلق الرئيس سعد الحريري أمس ما يشبه «بيان فكّ الحصار» عن الجماعات التكفيرية التي باتت جرود عرسال ومحيطها تجمّعها الأبرز في سلسلة الجبال الشرقية. وفي موقف يذكّر باستماتة رموز تيّار المستقبل بالتغطية على المسلحين في الشمال وعلى حالة أحمد الأسير، قال الحريري إن «الأصوات التي تهدد عرسال بالويل والثبور وعظائم الأمور لن تحقق غاياتها مهما ارتفعت»، مشيراً إلى أن «عرسال ليست مكسراً لعصيان حزب الله على الإجماع الوطني».
وفي تغريدة له على «تويتر»، انتقد الحريري قتال حزب الله في القلمون، متناسياً السيارات المفخخة التي ضربت في العمق اللبناني والقذائف التي أمطر التكفيريون قرى البقاع بها، منذ ما قبل غزوة عرسال الشهيرة وخطف الجنود اللبنانيين. وتوجّه الحريري إلى حزب الله بالقول: «قبل أن يتوجهوا إلى عرسال بأي سؤال، ليسألوا أنفسهم ماذا يفعلون في القلمون، ومن فوّضهم استباحة الحدود بالسلاح والمسلحين واستدعاء الإرهاب إلى الأراضي اللبنانية؟». ورأى أن «كل المحاولات لزج الجيش في معارك يحدد زمانها ومكانها حزب الله لن تمر، ولن نسكت عنها».
وعلى عكس ما يتمّ تسويقه من أن تكفيريي «تنظيم القاعدة في بلاد الشام ــ جبهة النصرة» والفصائل الإرهابية الأخرى المتحالفة معها قد تسرّبوا إلى داخل الأراضي السورية على إثر المعارك مع حزب الله والجيش السوري في الأسبوعين الماضيين، تؤكّد المعلومات أن غالبية التكفيريين الذين انسحبوا من المناطق التي خسروها في القلمون توجّهوا إلى جرود عرسال مرغمين، بفعل الحصار المطبق من حزب الله والجيش السوري من الجنوب والغرب والشرق، ومن تكفيريي تنظيم «داعش» من الشمال والشمال الشرقي. وبدا لافتاً أمس تزامن تصريحات الحريري مع معلومات أعلنتها قوى الأمن الداخلي عن تفكيك عبوة ناسفة زنتها 35 كيلوغراماً، موضوعة في سيارة مخصصة لنقل البضائع من نوع «فيات» متوقفة في مكان ملاصق لجامع الروضة، وعلى مسافة 100 متر من حاجز الجيش اللبناني في محلة رأس السرج في عرسال. وأكّدت مصادر أمنية لـ«الأخبار» أن «من المرجّح أن تكون عرسال هي مصدر السيارة، وتمّ تفخيخها داخل البلدة، كما حصل في مرات سابقة».سلام رفض الدخول في
نقاش ملف عرسال خوفاً من الانقسام في مجلس الوزراء


اهتمام الحريري بعرسال لم ينعكس على جلسة مجلس الوزراء صباح أمس، بعد رفض الرئيس تمام سلام المتابعة في ما طرحه وزير التربية إلياس أبو صعب، حول ضرورة أن يشرح وزير الدفاع أمام الوزراء الوضع هناك وأعداد المسلحين في الجرود اللبنانية، وما إذا كان وجودهم يعتبر احتلالاً لمنطقة لبنانية. وهو ما حاول الوزير محمد فنيش طرحه أيضاً، كما حصل في جلسة الحكومة أول من أمس، وقوبل بالموقف نفسه من سلام الذي يرفض الدخول في مناقشة موضوع عرسال خوفاً من انقسام مجلس الوزراء حول الملفّ. وقالت مصادر وزارية لـ»الأخبار» إن «سلام قد يجد مخرجاً للأمر عبر دعوة المجلس الأعلى للدفاع إلى الانعقاد لتجنب طرحه أمام مجلس الوزراء»، فيما قالت مصادر وزارية في قوى 8 آذار إنه «إذا تقرّر أن يتمّ نقاش موضوع عرسال في الحكومة، فمن الأفضل أن يحضر من يمثل قيادة الجيش لإطلاع الوزراء على التفاصيل والوضع الميداني».
المشنوق في الرابية
ولم يغب موضوع عرسال عن زيارة وزير الداخلية نهاد المشنوق رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، مع أن العنوان الأبرز للزيارة هو الحديث عن التعيينات الأمنية، في سياق جولة مشاورات سياسية لمناقشة المسألة، بدأها المشنوق بعون. وقالت مصادر «الداخلية» لـ«الأخبار» إن «المشنوق زار عون بصفته وزيراً للداخلية، لا بصفته وسيطاً بين طرف وآخر»، ووصفت الزيارة بأنها «جدّية وجيدة وشاملة تناولت الوضع في المنطقة ولبنان وعرسال التي، على عكس ما يُشاع، لم يدخل إليها عدد كبير من المسلحين، حيث انكفأ أغلبهم إلى الداخل السوري». وأشارت المصادر إلى أن «عون لم يظهر موقفاً واضحاً من تغطية حزب الله في حال قرر فتح معركة فيها» ، كما أن «المشنوق عرض وجهة نظره في ما يتعّلق بالتعيينات الأمنية، معتبراً أن المسؤولية الأمنية تتقدّم على أي ملف آخر، وأنه لا يجوز الربط بين تعيينات قيادة الجيش وقوى الأمن، ولا سيما أن ولاية العماد جان قهوجي تنتهي بعد أشهر، وليس منطقياً طرحها الآن». كذلك «تناول وزير الداخلية موضوع شعبة المعلومات، لناحية التردد حول دورها الوطني، ورأى أن ما يقلّل من الإنجازات التي تقوم بها أمر غير عادل». وفي وقت لفتت فيه المصادر إلى أن «العماد عون استمع إلى وجهة نظر المشنوق بتفهّم وإيجابية»، أكدت أنه «لم يعِد ولم يلتزم بأي شيء». من جهتها، قالت مصادر التيار الوطني الحرّ إن «المشنوق صاحب نظرية فصل التعيينات (بين المدير العام لقوى الأمن الداخلي وقائد الجيش)، وأنه أبلغ عون أنه سيطرح ثلاثة أسماء لتولي قيادة قوى الأمن الداخلي في مجلس الوزراء، وإذا حصل أحدها على ثلثي الأصوات فسيتم التعيين، وإذا لم يحصل، فسيبحث في صلاحياته كوزير، سواء بالتمديد للمدير الحالي اللواء إبراهيم بصبوص، أو بتأجيل تسريحه».
بدورهم، تابع نواب «تكتل التغيير والإصلاح» الجولات على القوى السياسية والكتل النيابية لمناقشة المبادرة التي طرحها عون الأسبوع الماضي، لانتخاب رئيس للجمهورية من الشعب، فزاروا أمس منزل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والتقوا ابنه تيمور ووزراء ونواباً من الحزب، كما زاروا النائب محمد الصفدي ومقرّ حزب الطاشناق والتقوا رئيسه النائب هاغوب بقرادونيان ووزير الطاقة آرتور نظاريان.
وعلّقت مصادر التكتل في اتصال مع «الأخبار» بشكلٍ عام على أجواء الزيارات في اليومين الماضيين، مشيرةً إلى موقف الرئيس فؤاد السنيورة خلال اللقاء مع كتلة المستقبل أول من أمس. وقالت المصادر إن «البارز كان صراحة السنيورة الذي لمّح إلى ما يشبه القول إنه هو زعيم المستقبل، وليس الرئيس سعد الحريري، وأن القرار عنده، وكل الوعود التي أعطيت لنا من قبل الحريري هي وعود في الهواء، وأننا في التكتل طرف في البلد، ولا يمكن للمستقبل الاتفاق معنا». وأشارت المصادر إلى أن «السنيورة ترك ثغرة واحدة مفتوحة، مشيراً إلى أن موضوع قيادة الجيش سياسي وليس تقنياً، داعياً إلى الاتفاق على أن يأتي رئيس للجمهورية بعيد عن التيار الوطني الحر فيتم الاتفاق على قائد الجيش». وأشارت المصادر إلى أن «الشيء اللافت بعد لقاء الرئيس نجيب ميقاتي والوزير الصفدي هو قبول الرجلين بانتخابات نيابية قبل الانتخابات الرئاسية»، وأن «ممثلي الحزب الاشتراكي أبدوا تفهماً لموقف التيار، لكن هناك تسليماً جنبلاطياً بأن موضوع الرئاسة أكبر من التيار ومن الاشتراكي».