يعيش العدوان السعودي على اليمن لحظةً مفصلية قد تغيّر في المشهد اليمني بصورةٍ جذرية. فبعد وصول التحالف إلى نقطةٍ يعجز معها عن مواصلة العمليات الجوية بوتيرتها المستمرة منذ أكثر من 40 يوماً، يبدو أن البدء بالعملية البرية أصبح مسألة وقت فقط، بعد تمهيد الرياض وحلفائها له بخطوات تصاعدية يوماً بعد يوم. وبد أن الإنزال المحدود الذي جرى في عدن قبل ثلاثة أيام، يمثل عملية «جسّ نبض» تفتح الطريق أمام عمليةٍ أوسع قد تبدأ قريباً، قوامها جنود سنغاليون، وفقاً لإعلان داكار إرسال 2100 جندي للمشاركة في الحرب، وآخرون سودانيون، بعدما أعلنت الخرطوم أيضاً استعداد جيشها للمشاركة في العمليات البرية.
ورغم هذا التوجّه الذي يشي بأن الرياض لا تزال مندفعة باتجاه جني مكاسب من الميدان اليمني الذي ظلّ عصيّاً عليها حتى اليوم، في وقتٍ لا يزال فيه القتال في عدن مستمراً، خصوصاً للسيطرة على مطار المدينة، بدأت خطوات دبلوماسية خجولة بالإيحاء بإمكانية فتح كوة في جدار الأزمة، لعلّ أكثرها دلالةً الحديث عن تغييرات في فريق الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي، حيث سيتم استبدال وزير الخارجية بالوكالة رياض ياسين بآخر، عقاباً على تصريحاته «غير الدبلوماسية».
«أنصار الله» ترفض مؤتمر الرياض وتعديلات في «حكومة البحاح»

وبعد الإعلان السنغالي الرسمي عن المشاركة في العدوان، أعلن السودان أن العمليات البرية في اليمن «بدأت بالفعل»، وذلك على لسان المستشار في وزارة الدفاع السودانية اللواء يونس محمود، الذي عبّر عن استعداد الجيش للمشاركة بقوات قوامها لواء. وفي مقابلة مع وكالة «سبوتنيك» الروسية، قال محمود إن عملية الإنزال في عدن جاءت لتأسيس قاعدة عسكرية ولتوسيع مسألة المساحات أو الجيوب الأمنية داخل المدينة، و«تستخدم هذه القاعدة لتوزيع الإغاثات والمساعدات الإنسانية على اليمنيين عبر الجو والبحر أيضاً»، مضيفاً أن عملية الإنزال تمكّن في الوقت نفسه طائرات التحالف من تحديد مواقع «أنصار الله» بدقة أكبر.
ومع الحديث عن قرب بدء هذه العمليات، يبدو أن الرياض تعمل على أكثر من جبهة لتأمين «نصر» المجموعات المسلحة التابعة لهادي، حيث قالت مصادر في هذه المجموعات إن كتيبة من المقاتلين تلقّت تدريباً عسكرياً على أيدي القوات السعودية خلال الأسابيع الماضية، وحصلت على تجهيزات عسكرية وأسلحة متطورة، كمضادات للدروع وأجهزة اتصالات عسكرية، بحسب ما نقلت «بي بي سي».
في هذا الوقت، وبعد تحديد هادي موعد عقد «حوار الرياض» لحلّ الأزمة في اليمن يوم 17 أيار الجاري، جددت «أنصار الله» رفضها لانعقاد هذا المؤتمر. وأكد عضو المجلس السياسي في الجماعة، محمد البخيتي، إن أي حوار، غير الذي كان جارياً في صنعاء حتى بداية العدوان، في الرياض أو غيرها «لا يعنينا». وبالنسبة إلى إنزال عدن، فقد أكد البخيتي في حديثٍ إلى وكالة «الأناضول» أن القوات التي جرى إنزالها في ميناء عدن هي «من المرتزقة الذين تم تدريبهم في السعودية ومن ثم إنزالهم في عدن.. هم يمنيون ويشاركون مقابل إغراءات مالية من قبل الدول المعتدية»، مضيفاً: «هذه العملية تكشف حجم التآمر على ضرب استقرار اليمن».
وعن الخيارات المتاحة أمام الحوثيين، اكتفى البخيتي بقوله: «الشعب اليمني سيواجه أي غزو خارجي، واليمن مقبرة الغزاة». وأسف المسؤول، تعليقاً على القمة الخليجية التي عقدت يوم أمس، لكون القمم العربية لم تعد تعقد إلا لحياكة المؤامرات ضد الأمتين العربية والاسلامية ولمصلحة الغرب والكيان الصهيوني.
وعلى خط الحركة الدبلوماسية التي خفّت وتيرتها في الآونة الأخيرة، يصل إلى الرياض اليوم المبعوث الدولي الخاص باليمن، إسماعيل ولد شيخ أحمد، لإجراء مباحثات مع هادي والسلطات السعودية حول الأوضاع في اليمن. وأشار ولد شيخ أحمد، يوم أمس، الى أنه لا مفرّ من الحوار بين الأطراف اليمنية، مؤكداً أنه ما زال يتواصل مع كل الأشخاص الذين يمكن أن يكون لهم دور مهم في القضية اليمنية. وأشار المسؤول الدولي الذي تولى مهماته قبل نحو أسبوعين خلفاً لجمال بن عمر إلى «ضرورة إجراء المزيد من المشاورات من أجل بلورة أفكار تكون أكثر فاعلية في إطار التوصل إلى حل تتوافق عليه جميع الأطراف».
في غضون ذلك، بدأ الحديث عن تغييرات مرتقبة داخل «حكومة هادي» التي وصل وزير الخارجية فيها عبدالله محمد الصايدي إلى الرياض، حيث سيبدأ بممارسة مهماته بديلاً من وزير الخارجية بالوكالة في وزارة الخارجية حالياً رياض ياسين.
وقالت مصادر إن التصريحات الكثيرة التي أدلى بها ياسين في الفترة الأخيرة «سبّبت للرئاسة حرجاً شديداً، لأنه لم يمتلك حسّاً دبلوماسياً». وذكرت المصادر أن 8 وزراء يمارسون أعمالهم من العاصمة السعودية، لافتاً إلى تكليف وزير حقوق الإنسان عزالدين الأصبحي بالقيام بأعمال وزارة الإعلام، في حين تم تفريغ وزيرة الإعلام نادية السقاف لرئاسة اللجنة العليا للإغاثة.
ميدانياً، لا تزال المعارك متواصلة في عدن، وتحديداً في حي كريتر والمنطقة المحيطة بالمطار والقصر الجمهوري. وفي وقتٍ وردت فيه أنباء عن سيطرة المجموعات الموالية لهادي على المطار، نفت جماعة «أنصار الله» ذلك. وقال القيادي في الجماعة، مؤيد كاظم البرشاوي، إنها مجرد دعاية في محاولة لرفع الروح المعنوية لميليشيات هادي والارهابيين، مضيفاً أن «الجيش، بمساندة اللجان الثورية، سيطر على أغلب مناطق عدن».
وفي السياق نفسه، قالت مصادر خاصة لـ«الأخبار» إن الجيش و«اللجان الشعبية» التابعة للجماعة سيطرت على جبل الفتح والسلسلة الجبلية المطلة على التواهي حيث جرى إحراز المزيد من التقدم. وأضافت المصادر أن الجيش و«اللجان» وصلا إلى أطراف مدينة الحوطة التابعة للحج، في وقتٍ شنّ فيه العدوان 30 غارة على مناطق المعلا والتواهي والحوطة في خورمكسر في المدينة الجنوبية.
وفيما تُعدّ الأمم المتحدة لإقامة جسر جوي لنقل المساعدات إلى اليمن، أعلن مسؤولون في مطار صنعاء أن طائرة تابعة للخطوط اليمنية أصيبت جراء غارة للتحالف. وفي السياق، أكد منسق الشؤون الانسانية في اليمن التابع للأمم المتحدة، يوهانس فان دير كلاوف، أنه «لا يمكن أن تقلع رحلات جوية أو تهبط في الوقت الذي يتم فيه إصلاح المدارج» التي قصفها العدوان، داعياً التحالف إلى «الكف عن استهداف مطار صنعاء الدولي والحفاظ على هذا الشريان المهم للحياة وعلى كل المطارات والموانئ الأخرى».
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول، رويترز)