لم يكد رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، يرفع سقف تحذيراته الى حلفائه وخصومه أول من أمس، حتى انهمرت الرسائل السياسية وفتحت قنوات الاتصال مجدداً. وما هي الا ساعات حتى قال الرئيس نبيه بري كلمته بأن الخلاف في الرأي مع عون لا يعني الخلاف في الاستراتيجية.
لكن الطمأنات والرسائل لم تعط بعد مفعولها، لأن «حتى الآن لا شيء ملموس»، ولم يحصل بعد عون على الأجوبة التي يريدها. رغم بالونات الاختبار التي بدأت ترمى، ومنها ما نمي إلى التيار بأن بري يقترح عقد جلسة خاصة للقوانين التي يريدها المسيحيون من ضمن تشريع الضرورة.
في الظاهر يخوض عون اليوم معركتين واحدة مع تيار المستقبل أو بالأحرى مع الرئيس فؤاد السنيورة بعد كلام صحافي سبق أن قاله في بكركي، عن ضرورة اقتناع عون بعدم وصوله الى الرئاسة. والمعركة الثانية مع الرئيس نبيه بري على خلفية الجلسة التشريعية، وبين المعركتين خلاف أساسي حول التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي وتعيين خلف له.
ترفض مصادر عون اتهام التيار بأنه من فتح معركة، فمن فتح المعركة اليوم هو الرئيس نبيه بري، حين عمد الى طرح الجلسة التشريعية كأمر واقع، وحدّد جدول أعمالها من دون الأخذ في الاعتبار ما يريده التيار والأحزاب المسيحية التي اتفقت على بنود أساسية في إطار تشريع الضرورة. ومن فتحها أيضاً هو السنيورة الذي كثف رسائله إلى الرابية أخيراً حول براءة الذمة المالية، رغم نفيه، ومن ثم شنّ حربه على عون في رئاسة الجمهورية وفي تعيين بديل لقهوجي.

بات مسلّماً لعون أن حزب الله
سائر نحو التمديد لقائد الجيش بخطى ثابتة


يمثل قانون الانتخاب أحد عناوين تشريع الضرورة، ويعني هذا القانون عون من باب الوعد الذي أعطاه بري بالتعجيل بإقرار قانون الانتخاب بعد التمديد للمجلس النيابي الذي رفضه عون. وحتى الآن أعطيت وعود كثيرة ومرت الأشهر والقانون لم يصبح بعد بنداً أساسياً على جدول أعمال الجلسة التشريعية.
أما بالنسبة إلى قانون استعادة الجنسية، الذي يرى فيه بري لزوم ما لا يلزم حالياً، ويستغرب في مجالسه كيف أن المسيحيين يريدون قانوناً يستعيد بموجبه المسلمون المغتربون جنسيتهم بأعداد مضاعفة عن إعداد المسيحيين، فتردّ مصادر عون: «إن ذلك يعني أننا نطرح مطلباً وطنياً، ونحن راضون بأن يطرحه بري في الجلسة حتى لو نال آلاف المسلمين الجنسية».
لم يكن كلام عون العالي اللهجة إلا مقصوداً، بحيث استدرج حلفاءه وخصومه إلى ملعبه، وهو بذلك حمى موقفه الأساسي بعدم التفريط بحقوق يعتبرها أساسية. لم يفتح عون معركة ضد أحد، لكنه لن يقفلها على «زغل»، ويصر على أمرين: الأول، حصر جدول أعمال الجلسة التشريعية بالضروري فقط، وإلا فسيبقى المجلس مقفلاً، وهذا الأمر ليس قابلاً للنقاش. لا يقبل تلويحاً، لا بوقف رواتب ولا بغيره، لأن أي وقف للرواتب لا يعنيه وحده، بل يعني جميع اللبنانيين. وحلّ هذا الأمر لا يكون بحرمان المسيحيين حقوقهم بقانون الانتخاب واستعادة الجنسية.
والثاني تعيين قائد جديد للجيش. يمثل هذا البند، تحدياً حقيقياً بالنسبة إلى عون، وأسباب رفضه التمديد كثيرة ومعروفة، لكن ما ليس معروفاً كيف سيقدر أن يفرض هذا التعيين على حلفائه في قوى 8 آذار، وفي مقدمهم حزب الله، وقد بات مسلّماً أنهم سائرون نحو التمديد بخطى ثابتة، وكيف سيقنع شركاءه في الحكومة كالرئيس سعد الحريري برفض التمديد. علماً أنه بحسب العونيين، فقد سبقت إشارات السنيورة الأخيرة، كل تفاهم ممكن مع الحريري. فيما لم تثمر زيارات النائب السابق غطاس خوري أجوبة واضحة، كذلك لفتت زيارة نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري معراب لفك الارتباط بين معراب والرابية حول التنسيق في جلسة تشريع الضرورة.
لا ينكر العونيون أن ما حصل من تقارب في الأشهر الماضية بين عون والحريري أسهم في خلق اجواء ثقة عززتها علاقة الوزير جبران باسيل بمستشار الحريري نادر الحريري. لكن هناك اجوبة واضحة يريدها التيار حول التمديد لقائد الجيش، ورئاسة الجمهورية وجلسة التشريع، اضافة الى توضيحات عن الكلام الذي يقال هنا وهناك وما خلفياته وموجباته، وآخره كلام السنيورة.
بين الحريري وبري (وحزب الله في موضوع التمديد لقائد الجيش)، يدرس التيار خيارات منها آني ومنها مستقبلي. في الوضع الآني، هناك ـ اضافة الى تعطيل مجلس النواب ـ سبل عدة لتعطيل عمل الحكومة ومجلس الوزراء الذي يفترض توقيع جميع الوزراء على قراراته عملاً بما اتفق عليه عند الشغور الرئاسي. وفي المستقبلي هناك تحذيرات بأن عون لن ينسى أي التفاف عليه، ولن يعطي كلمته وصوته لأحد، وحلفاؤه يعرفون تماماً أنه «سلّفهم» الكثير في الحكومة وفي المجلس النيابي وفي الداخل وفي الوضع الإقليمي. جردة ما أعطاه عون لحلفائه كبيرة، وما أعطاه لشركائه أيضاً في الحكومة تحت عنوان الحكومة الوطنية. لكن في المقابل لم يحصل إلا على وعود، ولم ينل بعد ما يطمئنه إلى أن ما يطلبه يستجاب، نيابياً في جدول أعمال جلسة تشريع الضرورة وحكومياً في تعيين قائد جديد للجيش. ومن أجل ذلك لن يتراجع حتى يتحقق المطلبان.