أهل التربية يصبون إلى أن لا يكون مؤتمر الوزير الياس بو صعب «همروجة وانتهت». المواقف من المؤتمر اختلفت بين مَن انتقد خلوّ التوصيات من أي تقويم للسياسات التربوية، أو من امتعض بالشكل مِن «عزيمة رفع العتب» و»دعوة الأربع والعشرين ساعة الأخيرة» ومن إقصاء أصحاب القضية وتجاهل خبراتهم، وبين من رحب بالفعالية باعتبارها خطوة جريئة ووقفة للتفكير وفرصة نادرة لعصف ذهني خض مياه المستنقع الراكدة منذ 20 عاماً، وبين من ابتهج بالحدث وقرر أن يحاكمه على أساس أنه مهرجان لا تتجاوز انتظاراته النجاح في جمع موزاييك من الناس من مواقع واتجاهات مختلفة سياسية وتربوية ونقابية. المقياس الذي يبني عليه النقابي حنا غريب نجاح مؤتمر تربوي أو فشله هو مردوده على التعليم الرسمي.
بتقديره هي ليست مسألة «إعادة نظر بالفلسفة التربوية للدولة ووضع خطة استراتيجية تلبي الحاجات الحالية والمستقبلية في القطاع التربوي الرسمي»، كما ورد في البند الأول لتوصيات المؤتمر، بمقدار ما يتعلق الأمر بتغيير السياسات التربوية كجزء من التوجهات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة، ولا سيما لجهة دعم الريوع والتدخلات السياسية في تعيين المديرين وفتح المدارس ودمجها وإقفالها وتوسيع الهوة بين التعليم الرسمي والتعليم الخاص والسعي إلى إفقار الأول وضرب نوعيته لمصلحة الثاني. يحذّر من أن يكون الهدف وراء طرح العودة إلى مشروع تجميع المدارس (للحد من الانفلات والتوسع في إنشاء المدارس بصورة عشوائية) هو تحجيم التعليم الرسمي ومدارسه في الجغرافيا لمصلحة المدارس الخاصة، على أنّ ذلك لا يمكن أن يجري خارج خطة لتحسين التعليم الرسمي. يقول غريب إن مطلب إلغاء المنح المدرسية لا يستقيم إلّا إذا جُيِّرت الأموال إلى التعليم الرسمي وجُعل قطاعاً منافساً يحقق تكافؤ الفرص، ليس لجهة الالتحاق فحسب، بل لناحية الحصول على تعليم جيد. ويذكر بالمناسبة أن من طالب بزيادة المنح 20% ليس روابط المعلمين، بل أصحاب المدارس الخاصة. وفي باب آخر، يستغرب استخدام البيان الختامي لمفردات غامضة تضع أكثر من علامة استفهام وتحتاج إلى توضيح مثل شرط الحصول على شهادة جامعية تربوية تؤكد جدارة الناجحين في اكتساب لقب معلم ومأسسة نظام الامتحانات وتمهين رسالة التعليم، سائلاً: «لماذا أغفل الحديث عن حماية الجانب الوطني والسيادي للشهادة الرسمية أمام هجمة الشهادات الأخرى: البكالوريا الفرنسية والفرشمان والبكالوريا الدولية، في مشهد فريد، إذ ليس هناك دولة في العالم لا تجبر مواطنيها على الخضوع لامتحانات الشهادة الوطنية».

جمع المؤتمر
موزاييك من الناس من مواقع مختلفة سياسية وتربوية


«الملاحظات الكثيرة الجدية على الامتحانات الرسمية لا تلغي حقيقة أن لا بديل من هذا الاستحقاق»، يقول رئيس نقابة المعلمين نعمه محفوض، مشيراً إلى أن «التأشير إلى غير هذا الاتجاه أسلوب هدام ولا يحق أن يستخدمه من يعين متعاقدين رسبوا في امتحانات مجلس الخدمة المدنية أعضاء في اللجان الفاحصة، فيما يفترض أن يقيم التحصيل التعلمي لجنة تضم المركز التربوي للبحوث والإنماء واللجان الفاحصة في الامتحانات واختصاصيين وخبراء تربويين ونقابيين». في الشكل، يصف محفوض المؤتمر بالهمروجة الإعلامية والسياسية التي تجاهلت دعوة المعنيين إلى اجتماعات تحضيرية، فيما غُيِّبَت نقابة المعلمين عن كل المحاور، بما في ذلك محور التعليم الخاص.
المؤتمر غيّب أيضاً، بحسب المفتش التربوي المتقاعد أحمد سبيتي، التفتيش التربوي وروابط المعلمين والمركز التربوي الذي كان تمثيله رمزياً ولم يشرك من كان له باع وصلة بالدراسات المتعمقة، كذلك لم يجر المؤتمرون، كما يقول، تشخيصاً علمياً للمشكلات التي يعاني منها القطاع التربوي عموماً والرسمي خصوصاً، إذ لم يقارب مثلاً حقيقة أسباب تراجع التعليم الأساسي الرسمي، فيما «سمعنا آراء مختصرة وخجولة عن دكاكين التعليم الخاص وحماية المواطن من الاستغلال التربوي».
يرى سبيتي أن المؤتمر لن يقدم ولن يؤخر، وليس صحيحاً أنّه سيكون محطة مفصلية، بدليل أنّ توصياته صيغت مسبقاً كما يحصل في أي مؤتمر آخر، وليست نتاج خلاصات ناقشتها لجان عمل متخصصة بالعمق وجوجلتها قبل الإعلان النهائي لها. لكن ينبغي التذكير هنا بأنّ بو صعب حين أذاع التوصيات في الجلسة الختامية للمؤتمر وعد بأن تكون لكل محور ورشة عمل متخصصة تعقد في الوزارة على مدى يوم كامل لبلورة النقاش والأفكار الواردة في الجلسات مع المعنيين في القطاعين العام والخاص لكي تتحول إلى قرارات ومشاريع مراسيم وقوانين.
«هو مؤتمر أولي ستليه لقاءات كثيرة ستشرك الجميع»، هكذا بدت رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء ندى عويجان مقتنعة بأن ما حصل هو أول الغيث لدق ناقوس الخطر على طريق وضع خطة إجرائية واضحة، مشيرة إلى أننا «باشرنا فعلاً سلسلة اجتماعات مع اللجان الأكاديمية في المركز وسنستتبعها بلقاءات لن تستثني أحداً معنياً بالعملية التربوية».
بالنسبة إلى الأستاذ في الجامعة اللبنانية والباحث التربوي أنطوان طعمه، الحكم على أي عمل ينطلق من أهدافه والصورة التي رسمها لنفسه، «فالمؤتمر التربوي أراد تحريك الوضع الجامد وهذا تحقق، وهو أطلق حركة تشاورية حول قضية حيوية للبنان ستكون الانطلاقة في هذا الزمن الضائع». يشرح طعمه أنّ أسلوب الندوة الذي يجمع عدد كبير من الحضور هو شكل من أشكال هذا التشاور وهذا ما نفعله كتربويين، إذ نخض الوضع ونعبّر عن الهواجس ومن ثم نعود إلى المادة لننظمها، إذ يتعذر فعل المهمة في 5 دقائق أُعطيت للمتدخلين». يبدو طعمه متيقناً من أن «نار القش قد اشعلت وسننتظرهم على الكوع بتفكيرنا الناقد».
توافق عميدة كلية التربية في الجامعة اللبنانية تيريز الهاشم، على أنها كانت لحظة تفكر مفصلية وعميقة طرحت المشاكل بشجاعة ووضوح واستطاعت استقطاب جزء كبير من المعنيين بالشأن التربوي، «ما يعني التعطش لبناء رؤية شاملة انطلاقاً من إجراء تقويم لمشاكل القطاع الكبيرة والمتداخلة ينطلق من الجهود المتراكمة في هذا المجال.
عندما لبى الباحث التربوي عدنان الأمين دعوة المنظمين، لم يكن يتوقع أكثر من «بهرجة» ومهرجان، وبالتالي إن «محاكمة المؤتمر على أنه غير ذلك هو ظلم له». الأمين يعرب عن ارتياحه لكون الحضور الكثيف والمتنوع سمح بإسماع أصواتنا، وهذا بحد ذاته «خطوة كويسة». وبينما لم يكن يراهن على شيء، خرج بانطباع بأنّه يمكن بلورة حل تشريعي لمشكلة تعيين المعلمين، وخصوصاً أن النائب علي فياض أبدى استعداده للمساعدة في أي مشروع يقدم في هذا الخصوص، على حد تعبيره.
إلّا أنّ الباحث الاقتصادي كمال حمدان، لمس أن الجانب الاحتفالي طغى على أي شيء آخر، وبقيت أسئلة كبيرة من دون أجوبة، منها: ما هو الموقف من استخدام القطاع التعليمي كمطية للأطراف السياسية واستسهال التعيين عبر التعاقد؟ ما هي الضمانات لإعادة فتح دور المعلمين وكلية التربية لتأمين الإعداد والتدريب للمعلمين؟ ما هو مصير منح التعليم وبدعة التعليم الخاص المجاني؟ كيف ستحل مشكلة الالتحاق الذي تراجع إلى 31% فيما كان 50% عشية الحرب الأهلية؟ إلى متى سيكرس النمو بسرعتين بين المعلمين في القطاع الرسمي (استقرار وظيفي وتقاعد) وبين المعلمين في القطاع الخاص (وضع هش وتعويض نهاية الخدمة)، وهل ستقلَّص الفوارق والنهوض بالوضع إلى الشروط المثلى؟