اقتباس أيقونة ورقية مثل «النبي» (صدر عام 1923) لجبران خليل جبران (1883 ــ 1931) ليس سهلاً. شهرة الكتاب الراسخ على رفوف ملايين المكتبات حول العالم تحتّم المقارنة مع المنجز الفيلمي. لقد تُرجم عن الإنكليزية إلى أكثر من 50 لغة. الـ«بيتلز»، وجون كينيدي وإنديرا غاندي وآخرون، استوحوا من «تعاليمه». السحر الفلسفي لا يعني التماسك الدرامي بطبيعة الحال. التماس مع الكون يختلف بالتأكيد عن صلب الأفلمة.
عند التفكير في إنتاج اقتباس سينمائي عنه، أخذت سلمى حايك كل ذلك في الاعتبار. أضافت اعتبارات الصناعة والترويج التجاري إلى سلّة المخاوف. «فيلم أنيماشن عن كتاب لفيلسوف لبناني. من سيشتري شيئاً كهذا؟». هكذا، قرّرت الحفاظ على اسم الكتاب وصاحبه في عنوان الفيلم «النبي لجبران خليل جبران»، للإفادة من انتشاره العالمي. جمعت حايك تسعة من مخرجي الأنيماشن المستقلّين حول العالم، منهم الإماراتي محمد سعيد حارب صاحب شخصية «فريج» الشهيرة، والأميركي روجر أليرس صاحب «الأسد الملك». عمل أليرس على حقن التحفة الأدبية بخلفية دراميّة يمكن البناء عليها. تحوّل منفى الحكيم/ الكاتب/ النبي «مصطفى» (صوت ليام نيسون) إلى سجن لسبع سنوات بتهمّة الأفكار المخرّبة. «الكلمة قد تقتل صاحبها»، هذا تبطين سياسي يحمّل «النبي» مستوى آخر. بدلاً من قرار الإبحار إلى موطنه، يحصل مصطفى على إطلاق سراح مشروط. يخرج فيرى أنّ أفكاره قادرة على إبقائه إلى الأبد. سريعاً، يتعرّف إلى الطفلة المشاكسة «ألميترا» (كواجاناي واليس) عن طريق أمّها ومدبّرة منزله «كاميلا» (سلمى حايك). ألميترا نادراً ما تتكلّم. تصبح صديقته، فيحاول تعليمها كيفية التعامل مع سكّان البلدة. 8 فصول اختيرت من الكتاب، أدّت إلى 8 أفلام قصيرة، يجمعها الرابط الذي ابتكره أليرس. كل منها يحمل توقيع مخرج صاحب بصمة خاصّة. الفصول هي: «الحريّة» (ميشال سوتشا)، «الأطفال» (نينا بالي)، «الزواج» (جوان سفار)، «العمل» (جوان كراتز)، «الأكل والشرب» (بيل بلمبتون)، «الحب» (توم مور)، «الخير والشر» (محمد سعيد حارب)، و«الموت» (بول وغايتان بريزي).
عجز الميزانية دفع أليرس إلى البحث عن حلول مبتكرة. تمّ اللجوء إلى الخلفيات الثنائية الأبعاد المرسومة باليد (المدرسة القديمة)، والزج بالشخصيات الثلاثية الأبعاد (عصر الديجتال) ضمنها، ثمّ العمل على المواءمة. المحصلة جاءت شريطاً مغايراً، جميلاً، جريئاً، مختلفاً عن ملل الصناعة التقليدية. يكفي أنّه لا يستكين لتصنيف محدّد، ليحصل على انتباه مستحق. بين الفنّي والتجاري البحت، وبين الأسلوب العتيق والتفكير الطازج، بين موهبة شباب وخبرة أب روحي، وبين جمهور متنوّع الأعمار والثقافات، يصرّ «النبي» على الوقوف متفرّداً. محمد سعيد حارب مذهل في توليف الألوان المائية في «الخير والشر». توم مور يجمع الزخارف الإسلامية مع أنماطه البصرية المستوحاة من غوستاف كليمت. رائدة الرسم بالطين الأوسكارية جوان غراتز، تجعل من «العمل» فصلاً آسراً، على اعتبار أنّه «الصورة الظاهرة للمحبّة الكاملة». في «الطعام والشراب»، يرسم بيل بلمبتون بالرصاص الملّون كادراً كادراً، إلا أنّه لا يتمكّن من الحفاظ على طرافته المعتادة. التوأم الإيطالي بول وغايتان بريزي يختتمان الشريط بمهارة يدوية لافتة في «الموت». كذلك، المزيج بين إلقاء نيسون وموسيقى اللبناني غابريال يارد يصنع ما لا يُقاوم.
على الضفة الأخرى، المزج لم يكن مثالياً دائماً، خصوصاً في فواصل روجر أليرس. التركيب الدرامي فوق النص الأدبي أنتج حبكة حائرة بعض الشيء. حكم فلسفية ثقيلة على الصغار، وقصة ساذجة جداً للكبار. سلمى حايك تعتبر ذلك في مصلحة الفيلم. ترى أنّه «تجربة شخصية»، فكل يجد نفسه بأسلوبه الخاص. أصداء العرض التجريبي في «مهرجان كان السينمائي»، ثمّ «مهرجان تورونتو»، عزّزت ثقة حايك بخياراتها. لا شكّ في أنّها ماضية خلف مزيد من المشاريع المغايرة.

* «النبي»: بدءاً من الخميس في الصالات اللبنانية