ثلاث إشارات تجعلنا نتوقع تطوراً خطيراً قريب الحدوث في المنطقة، وبالذات في السعودية.الاشارة الأولى صدرت من الرئيس الأميركي، وذلك خلال مقابلة نشرت في صحيفة «نيويورك تايمز» يوم الأحد 5 أبريل/ نيسان، حيث قال: «إن أكبر خطر يهدد حكام الخليج ليس التعرض لهجوم من إيران وإنما السخط داخل بلادهم من الشبان الغاضبين العاطلين والإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم».

إنها ليست فقط أقوى رأي سلبي في الأوضاع الداخلية لحلفاء الولايات المتحدة العرب، وأول مرة يستخدم فيها رئيس أميركي هذه المفردات الصارخة عن السعودية بالذات، وإنما هي جرس إنذار صريح باحتمال انفجار اضطرابات داخلية بسبب الأوضاع السيئة والاحباط العام، وأن هذا الانفجار قد يهدد أنظمة الخليج تهديداً مصيرياً، ما لم تتدارك الوضع. كما يبطن هذا التصريح إشارة الى أن البيت الأبيض لديه علم بقرب حصول تحركات داخلية في السعودية.
منذ البداية تبيّن
أن قرار الحرب كان
يفتقر إلى الحكمة
لأسباب كثيرة

الاشارة الثانية سجلتها أسواق المال العالمية، فقد نبه المراقب الاقتصادي محمد جلو الى حصول حالة غريبة مرت بها هذه الأسواق في الأيام الأخيرة، هي تزامن ارتفاع الثروات القياسية الثلاث (النفط، الذهب، البترول) معاً! حدث هذا، على سبيل المثال، يوم العاشر من نيسان. وهذه الحالة لا تحدث إلا عند - أو على أبواب - هزة سياسية كبيرة، فهي تشير الى حبس الثروات في أيدي أصحابها توقعاً لأزمة تتسبب في ارتفاع قيمة هذه الثروات. فما الذي يتوقعه هؤلاء؟ وهل استشفوا من تصريح أوباما المذكور، ومن مصادر أخرى، أن أحداثاً كبيرة ستشهدها المنطقة قريباً؟
الاشارة الثالثة قد تجيب عن الحالتين السالفتين، وهي التسريبات من داخل المملكة السعودية عن أوضاع الأسرة الحاكمة. فأساطين المال في العالم فهموا الرسالة وراء إخراج الرئيس الأميركي الى العلن ما يتداوله الجميع أن نظام حكم آل سعود يشهد اليوم صراعاً داخلياً وخيم العواقب، وأن الحماة الدوليين لهذا النظام قد سئموا بطء الأخير في الفهم؛ ومع أن هذا لا يعني أن الأميركيين سيتخلون عن حماية النظام السعودي من خطر خارجي إلا إنهم لن يقفوا في وجه تغيير أو انقلاب من داخل هذا النظام.
هل سيصبح التدخل العسكري السعودي في اليمن منقذاً لهذا النظام من التهديدات، أم أن هذا التدخل سيصبح هو نفسه تابوت هذا النظام؟ ان هذا التدخل يعني أن السعوديين يرون أن التهديد هو وراء الحدود، وأن استيلاء الحوثيين على الحكم هو خطر شيعي يقف على أبواب مملكة التشدد السني. ومنذ البداية تبيّن أن قرار الحرب كان يفتقر الى الحكمة، لأسباب كثيرة. ولكن الأخطر من هذا هو أن التطورات أظهرت بأن الخطر الحقيقي على النظام السعودي ليس حوثيي اليمن (الذين هم – في الحقيقة – لم يهددوا حدود المملكة لا بالفعل ولا حتى بالقول) وإنما هو قرار الحرب نفسه. فالتسريبات الأخيرة للمدون السعودي «مجتهد» تكشف عن مطامع سياسية فردية وراء الاسراع بإعلان الحرب، وعن صراع نفوذ داخل البيت السعودي بل وعن صراع على إرث رجل وهو على قيد الحياة: إنه الملك سلمان المحاصر بين تهور ابنه محمد ذي المطامع السياسية الكبيرة، وتنافس أبناء وأحفاد الملوك السابقين على النفوذ، وأمراضه الجسدية والعقلية التي لم تعد سراً. في ظل هذا كله ليس من المستغرب أن نرى سير الأحداث في قضية حرب اليمن تفتقر الى مبادئ أخلاقية: فلدينا هنا دولة تعلن الحرب ولكنها تطلب من دول أخرى القتال مكانها؛ وحرب ظاهرها عسكري وباطنها مالي حيث تستمد اندفاعها من شراء خدمات جيوش أخرى؛ ولدينا بالتالي إصرار على حرق ثروات البلاد، بسرعة وبكميات هائلة، من أجل حرب لا تحمل أية منفعة راهنة للمواطنين ولا أية منفعة مستقبلية للبلاد. ففي العام الماضي أنفقت السعودية – وفقاً للمعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم – 80,8 مليار دولار على التسلح، وهي ميزانية كانت ستكفي لانجاز أضخم عملية تنمية يمكن تخيلها، وكانت ستحل كل مشاكل مواطني المملكة من عوز وبطالة وتخلف معرفي وتشدد عقائدي خطير، بدلاً من حرق هذه الأموال الطائلة في حرب ستفاقم المشاكل القائمة ولا يعرف أحد بمدى وعمق عواقبها. كأن الملك وأمراءه في المملكة مندفعين في تسخير قوى دولتهم وثرواتها في أعمال يمكن أن تؤدي في النهاية الى سقوط نظامهم نفسه، فمنظمتا القاعدة والدولة الاسلامية تتربصان بانتظار إما فرصة سياسية بأن يطلب النظام مساعدتها في محاربة الحوثيين بدعوى الوحدة الوطنية أو المذهبية، وعندها تظهر وتفرض نفسها جغرافياً كعادتها، وإما فرصة عسكرية تنقض فيها على وحدات الجيش السعودي. وفي هذا السياق لم يجانب محمد حسنين هيكل الصواب عندما تكهن – في أحد أحاديثه التلفزيونية - بأنه لو اشتعلت حرب برية في اليمن فإنها ستجرف معها الجزيرة العربية كلها بل والمنطقة كلها. وكل هذا في جانب ومحاولات جر إيران بالقوة الى الحرب في جانب آخر. فلو نجح التحريض الاعلامي المتواصل، والانفاق المالي السخي، في مساعيهما لتحويل الحرب الطائفية بالوكالة الى حرب مباشرة بين دول الخليج من جهة – مدعومة كالعادة من الولايات المتحدة وإسرائيل – وإيران من جهة أخرى، فلن يعلم أحد الى أي مدى سيكون الدمار وكم إنساناً سيظل على قيد الحياة في منطقتنا.
أساطين المال في العالم يحدسون انفجار المنطقة، ولهذا هم يحتفظون بذهبهم الأصفر ليوم أسود يتراءى لهم. فالهزة الكبرى التي يتوقعون حدوثها في العالم والتي رفعت قيمة الثروات القياسية الثلاث سيكون موقعها شبه الجزيرة العربية، وإذا ما بدأت فلن تنجو من أضرارها أية دولة من دول المنطقة... سوى إسرائيل!
* كاتب عراقي