«إنها عاصفة الحزم يا عزيزي»، قالها سعد الحريري في معرض رده على خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله. فعلاً إنها «عاصفة الحزم التي وطئت أرض اليمن ونكلت بأهله، وعصفت بدورها، بلبنان وبوسائل إعلامه، وأرخت بظلالها طويلاً على المشهد اللبناني في كل تشعباته. خطاب السيد نصر الله يوم الجمعة الماضي في مهرجان «التضامن مع اليمن» شكل على الجبهة الإعلامية المحلية منها والخليجية محط فرز واضح، بل ظهّر بعض وجوه هذه القنوات بعدما كانت ضبابية في موقفها من العدوان.
لا شك في أن قرار النقل المباشر للخطاب على القنوات من عدمه يشير إلى سياسة أداء المحطة. ورغم الاصطفاف السياسي والفرز الموجود على الساحة الإعلامية اللبنانية، فإن بعضاً من هذه المحطات دأب على نقل خطاب السيد نصر الله في كل إطلالاته. لكن يوم الجمعة الماضي، كنا أمام إعادة تموضع جديدة ــ إن صح التعبيرــ لهذه القنوات. اكتفت ثلاث قنوات بهذا النقل: "المنار»، nbn، وotv، فيما نأت بنفسها البقية واستكملت برامجها المعتادة. واللافت هنا امتناع قناة «الجديد» عن النقل (لأول مرة في تاريخها) وكانت مشغولة بتتبع وقائع جلسات «المحكمة الدولية» من لاهاي. هذا الامتناع انسحبت عليه مؤشرات أخرى تجزم بأن القناة قررت المضي في سياسة التعمية وتجنب نقل ما قد يضرّ بالمملكة السعودية، أبرزها غياب الخطاب عن مقدمة نشرة الأخبار، وأيضاً عدم تخصيص المحطة تقريراً للخطاب، بل اكتفت المذيعة (داليا أحمد) بالإدلاء بالخبر تلاه عرض لمقاطع محددة من هذه الخطاب.
بينما كانت تتظهر وجهة «الجديد» في تغطية العدوان على اليمن، كانت تطالعنا مقدمات نارية من mtv و«المستقبل». على مدى اليومين السابقين، أي نهاري الجمعة والسبت، بقي الصراخ الفعلي يتصاعد من استوديواتهما. بعيد الخطاب، وصفت القناة الزرقاء كلام السيد نصر الله بـ«الحاقد على المملكة السعودية»، وأردفت بالقول: «مرة جديدة أوغل (..) في توريط لبنان بالحريق اليمني تنفيذاً للأوامر الإيرانية». أما قناة «المرّ» فقد وصفت بدورها الخطاب بـ«الأعنف» و«الأخطر» وقالت إنه «تخطى الخطوط الحمراء وخرق كل السقوف». وما لبثت المحطة طوال اليومين الماضيين أن أعادت معزوفة «مصير آلاف العائلات اللبنانية العاملة في السعودية والخليج». وفي هذا الملف بالتحديد، وعلى المقلب الآخر، سجلت قناة «المنار» في أدائها أعلى سقف ممكن من الهجوم على السعودية، وهو أمر لم نشهده قبلاً في أدبيات المحطة.
أما النكتة التي ظهرت أمس، فقد تمثلت في استغناء قناة «المستقبل» عن مقدمة نشرة أخبارها الرئيسية واستبدالها بما أدعت أنها رسالة من «مواطن جنوبي» إلى الأمين العام لحزب الله. رسالة لا يمكن النظر اليها إلا بعين ساخرة، أولاً لغياب التدقيق بأنها فعلاً من مواطن يقطن في الجنوب اللبناني، وثانياً من مضمونها الذي يشبه القصص الخيالية. فهذا المواطن كما سنعرف، حاربت عائلته - ويا للصدف - قبل التحرير، وانخرطت في حرب تموز 2006 وفي 7 أيار (2008) وفي الأزمة السورية (2013) وأيضاً أصيب ابن خالته في تفجير حارة حريك الأخير. لكن هنا مُرر في هذه النقطة بالتحديد تبرير هذه الجريمة بأن الانتحاري الذي فجر نفسه في حارة حريك، أقدم على هذه الجريمة «لأنّ بعضاً من أهله» ذهبوا «بقصف من حزب الله لمنازل سوريين آمنين»! وأكثر من ذلك، طالعنا السرد بأن «أهل الخليج بلسموا جراح حرب تموز»!. هكذا استغبت المحطة عقول مشاهديها في هذه الرسالة المفبركة المطعمة بالتسييس وغياب المنطق.
على الجبهة الخليجية، بدا الأمر أكثر ارتباكاً في التعاطي مع مضمون الخطاب. تقرير «العربية» الذي أعدته رولا الخطيب أول من أمس كان مستواه ضعيفاً. إذ ما لبثت المعدّة أن تجاهلت مضمون الخطاب لتحول نفسها إلى خبيرة في علم لغة الجسد، لكن من دون أن تمتلك أدوات تحليله. قالت: «حضور مكثف لنصر الله (..) كل مرة يقرع فيها طبول الحرب رفع حديثه كثيراً، لوّح بيده أكثر، هدد بإصبعه أكثر وأكثر». وكان اللافت في هذا التقرير الاحتفاء بانكفاء أغلبية القنوات اللبنانية عن نقل خطاب السيد نصر الله. سجّل هنا هجوم على محطة otv (الخارجة عن الوصاية السعودية)، بسبب نقلها الخطاب (ولو تأخر هذا النقل 5 دقائق) وثانياً هجومها على المملكة مع إيراد ما عنونته وقتها «هو تاريخ آل سعود وحاضرهم».