الأساس هو النفط. من المفيد مراقبة ردود فعل القوى السياسية (في بلد كلبنان) على الحرب السعودية ضد اليمن حتى نفهم مقدار الاختراق الخليجي لمجتمعاتنا خلال العقود الأخيرة، والسطوة التي أرخاها مال النفط على منطقتنا، في السياسة والثقافة والتديّن وكلّ مجال.ما يجري في اليمن هو حدثٌ جسيم، يفتتح، كما كتب رئيس تحرير الزميلة «السفير» طلال سلمان، تحوّل المملكة السعودية الى ما يشبه «القوة العظمى»، التي لا تكتفي بالدفاع عن نفسها، بل تخوض الحروب الخارجية وتضرب الدول المجاورة حفاظاً على شكل النظام الاقليمي الذي تريده. والنّخب التي اشتراها الخليج، وأغلب نخبنا صارت مرتهنة له، دورها الامتثال وترداد المدائح عن «مملكة الخير» أو، في أحسن الأحوال، التزام الصمت والتواطوء.

من هنا يجب أن نفهم أن اليمن ليس الا أوّل الطريق، وأننا قد نصير جميعاً أهدافاً لطائرات الأمير وغضب الأمير وأحلاف الأمير، اذا لم تضع المغامرة اليمنية لهم حدّاً، وتفهمهم أن الدماء ليست كالذمم، لا تُشرى بالمال.
حين تقوم حكومةُ ما باستثمار ثروات طبيعية مخزونة في باطن أرضها، سواء في السعودية أو في النروج، فهي تنظر الى نفسها كـ «وصيّ» أو «قيّم» على هذه الثروة، لا كمالكٍ لها، ودورها يكون في صون هذه الموارد واستثمارها بالطريقة المثلى لصالح الأجيال القادمة ومستقبل البلد والبشرية.
منذ ظهور الثروة النفطية في الخليج، راج خطاب يسخر من هدر دوله لعائداتها، ورهنها في المصارف الغربية، وشراء الأسلحة الأميركية بعشرات المليارات. اليوم نفهم أن هذه الأسلحة، وهذه الثروة، توجّه ضدّنا نحن. في العقود الماضية خاض الخليج حروباً شرسة لصون حصته من الثروة، ولقمع أيّ فكرٍ عروبي يُسائل كيفية توزيعها واستخدامها؛ والخليج اليوم يخطو نحو مرحلة جديدة: فرض الهيمنة المباشرة، وباستعمال القوة العسكرية ونفوذ السيد الأميركي (وهم، لسخرية التاريخ، يستعملون خطاب «العروبة» في مسعاهم).
الخيار في هكذا حالة واضح، اذ لا يوجد نقاش وحوار مع الغارات والعسف، مثلما لا ينفع الحوار والاقناع في وجه المصالح المالية. النفط هو الأساس؛ هو المصدر الوحيد للقوّة الخليجية، وهو ــــ لا الايديولوجيا ــــ ما جعل للخليج نخباً وأتباعاً وجوقات اعلامية، وسمح بنشر التخلف السياسي والتبعية والتدين الوهابي في أرجاء بلادنا.
حين لا يعود «نفط العرب للعرب»، بل يستحيل ضدّهم، يكون من حقّنا، بل من واجبنا، أن نعلن أن حكومات الخليج قد أثبتت أنها لا تصلح لإدارة هذه الثروة، ولا يجوز ــــ بل من الخطير ــــ أن تتصرّف بها على هواها. انتاج النفط وتصديره يمرّ عبر منشآتٍ معدودة، حسّاسة، وسريعة العطب. وان كان الخليج يعتبر أن من حقّه استباحة بلادنا واخضاعنا، فإن حقّ الدفاع عن النفس يدعونا الى هدفٍ واضح: منع هذه الحكومات من تصدير برميل نفطٍ واحد، طالما أن عائداته تقوّي أعداءنا وتقتل ابناءنا، وسيأفل «العصر الخليجي» في لحظات.