أربعون الحرب

لم تنته الحرب. من هنا نبدأ. أرجح أن يكون أغلبنا عالماً بهذا السر الذائع، وخاصة أهالي المخطوفين والمفقودين خلال تلك الحرب القذرة. نقول قذرة وكأنما هناك حروب غير قذرة! ربما نقولها لأن الحروب الأهلية، وخاصة تلك التي «تنتهي» على شاكلة ما انتهت إليه حربنا الأخيرة، قذرة بشكل خاص. قذارتها مزيج من صراخ غير مسموع للضحايا، وصمت ثقيل ثقيل للقتلة العائدين إلى الحياة العامة وكأن شيئاً لم يكن «وبراءة الأطفال في أعينهم». صمت يرافق مشاهد فيلم «ما بعد الحرب»: اتفاق الطائف، تقاسم البلد حصصاً بين طوائفه، وبالطبع قبل كل ذلك عفو عام أصدره المتحاربون بأنفسهم عن أنفسهم. ثم، كيف يحمون إنجازاتهم وتجاوزاتهم تلك؟ بكل بساطة: مزيد من المذهبة والتفريق والتفقير.

اليوم، نعيش حرباً أهلية باردة لا يراد لنا أن نخرج منها أبداً. مجرد المقارنة مع حرب البوسنة الشبيهة بحربنا، وما حصل بعدها بخمسة عشر عاماً فقط، من سن قانون للمخطوفين، وإنجاز بنك المعلومات للحمض النووي، ونبش للمقابر الجماعية، وتحديد هويات المئات من الضحايا سنوياً، ومن اعتذارات علنية لزعماء الحرب عما اقترفته أياديهم، نفهم أننا لم نخرج بعد من الحرب الأهلية. خرجت البوسنة من الحرب الأهلية بعد تقسيم البلاد، ولكنها بدأت مسيرة المصالحة وقطعت فيها شوطاً. أما نحن؟ فماذا فعلنا؟ صارت حربنا حروباً، و«شرشت» إقليمياً ودولياً. ولمن يريد أن يفهم أكثر، نقول له:
إن الملف الذي يعتبر مقياساً لمدى خروجنا من الحرب، هو ملف المخطوفين. وهو ملف ينتزع المناضلون الاجتماعيون فيه أصغر مكسب بعناء قلع الضرس من فك الزعماء المفترس.
المثابرة مقابل التمييع. الإصرار مقابل المماطلة. الإضاءة مقابل التعتيم. هذا هو خيار المناضلين كلجنة أهالي المخطوفين و«المفكرة القانونية». أما الأهالي؟ فلا خيار لهم إلا المثابرة، وسط رأي عام منهك بالحروب المذهبية، منفضّ عنهم ولو تضامن قلبه معهم. رأي عام وغير مقتنع أصلاً بأن الدولة، أو السلطة على الأصح، قد تفعل شيئاً إيجايباً في هذا الصدد. لسبب بسيط: أي خطوة إيجابية في ملف المخطوفين، ستمر غصباً بمحطة تتناول سيرة القتلة. والقتلة أعادوا تدوير أنفسهم زعماء جدداً: "نضاف ظراف مهفهفين". لا بل إن بعضهم يرشح نفسه للرئاسة. عادي. ما الفرق بين سجلاتهم وسجل أي مواطن نظيف؟ لا شيء. لا حكم عليهم. ولا يمكن أن يكاد الموظف يكتب في سجلاتهم العدلية.
لم يستسمحنا أحد منهم على ما فعله بنا. لم يطلب منا أحد الصفح، اللهم إلا أسعد الشفتري، الذي تحول لشدة استهلاكه الى كليشيه ممجوج يكاد يخدم الخاطفين أكثر من أهالي المخطوفين.
أربعون عاماً، ولا يزال قتلة الأستاذ محيي الدين حشيشو طلقاء في صيدا. هم معروفون، وموجودون، ومحميون بالتوازنات السياسية. يماطلون القضاء لعل القدر ينقذهم في بلد يتكل تاريخه على مقولة: أو يموت الحمار أو القاضي أو أموت أنا! لكن نجاة، الزوجة المثابرة، تلاحقهم وستظل تفعل ولو بقي من حياتها يوم واحد.
كل ما يريده أهالي المخطوفين هو قبر. قبر يزورونه ويذرفون عليه الدمع. يضعون ربما صورة للقتيل، أو يزورونه في العيد ويوزعون أقراص المعمول عن روحه. أضرحة يعشبونها كما تنزع الأم عن بذلة ابنها شعرة، يسقون زهورها، لعل السلوان يأتي من تلك العناية الى الروح رويداً رويداً.
الحرب لم تنته ولن تنتهي هكذا. والشاهد على ذلك؟ أننا في أربعينها لا نزال نقول للأهالي: لا ثالث ولا أسبوع في المقبرة.

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

فيصل باشا/برلين فيصل باشا/برلين - 4/17/2015 12:24:17 PM

دولة، شرعية ووو شعارات فضفاضة، كيف يمكن لمحكمة دولية (مهزلة) بالحصول على دي ان اي اللبنانيون وكل شي عنهم ولا يمكن بموضوع انساني انشاء بنك دي ان اي لاهالي المفقودين ؟ شرعية ممدة وغير شرعية، كيف يمكن إيجاد قوانين مثل "سوليدار" آنذاك ولم يتم سن قانون خاص بالمقابر الجماعية والتي لا يشملها العفو مع أنها جرائم ضد الإنسانية ؟ تكمن الإشكالية أن الموضوع لا يربح السياسيون في لبنان ك"سوليدار" بل يدينهم جميعاً فكلهم بالاجرام واحد، ولو كانت فقد طائفة لوحدها قامت بهذا العمل لتم حل القضية منذ زمن ولكن غير التمديد والسرقة لم يفعلوا ! فالساسة يعملوا على المداورة والتوريث فلا يعقل ان يتركوا ارث اجرامي للورثة، مجرم لأكثر من عشر سنوات او ب عن جد وقاحة لو كتب على بهويتهم،لأكثر من جيل! باللغة الألمانية Zeitgeist روح العصر، مدة معينة من التاريخ إلا بالبنان لم يتغير التاريخ من جميل، لجميل، جميل، جميل وووو .... وكما قال المتنبئ زياد الرحباني بعدنا محلنا من ٤٠ سنة، الجماعة عم يقولوا جهاراً بعدنا بالطريق للدولة ليش إنتوا خليتولتنا دولة لو في دولة اصلا كنتوا انتوا بالحبس ما حدا ح يحملكم دمهم للابرياء من الطوائف كانت حرب الآخرين ع أرضنا! ولو! الطائف ليست مدينة لبنانية لهيك حرب الإرهابين ع أرضنا فلا يخرج من مملكة القهر إلا القمع والإرهاب فلا يعقل ان تدين مرشحها لرئاسة الجمهورية!

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 4/17/2015 3:47:52 PM

اكاد اجزم ان كل اللبنانيين عدا 24+128+2 لهم نفس الرأي. طيب كيف الطاقم السياسي بعدو مطرحه؟! حدا يفسرلي!!! المشكلة مش هني ولا العائلة السعودية وا اميركا ولا اسرائيل ولا ايران، المشكلة بهالشعب المنافق الذى ادمن الكذب.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 4/14/2015 4:30:20 PM

"صمت ثقيل ثقيل للقتلة." لم الحظ اي صمت للقتلة. هناك اغلبية صامتة وقتلة لا يتوقفون عن الغرغرة. يكفيك تصريحات جعجع وتغريدات جنبلاط. وحده صوت دم الضحايا لا يصمت. وكيف يصمت واسطورة طير الهامة اسطورة عربية. حتى ولو نسي اهل الضحايا ونسيت الناس كلها فان القاتل لا ينسى لان صوت الضحية يصرخ داخله. لكن من العيب ان يفلت هؤلاء بدون عقاب والعار الاكبر ان يظل لهم وجود في الحياة العامة بل ان اسوأهم مرشح للرئاسة. هكذا حروب تفرز هكذا رؤوساء ووزراء ونواب. وليس لاهل الضحايا الا الله والصبر. لن تبقى الامور كما هي.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مغتربه مغتربه - 4/14/2015 11:57:40 AM

عند نهايه الحرب الأهليه كنت في زياره الي لبنان. لم اصدق ما سمعته : القتله صاروا وزراء !!!! وعند استنكاري امام الاصحاب والمقربين كان الجواب الصادم وما زال لليوم :" شو بدنا نعمل ؟ هيك منضبهم " . هذا يحصل فقط في لبنان بلد الديمقراطية المزيفه .. بلد المصلحه فوق الشعب . تركت البلد وانا أردد : لا تتعبي ولا تشقي ما في أمل بالعوده . انا في طبعي متفائله لكن وقتها وبعدها لم اجد سببا واحدا للتفاؤل .. وكما ترين يا ست ضحي لم أعد واحسدكم جميعا علي تفاؤلهم وعزيمتكم القويه . مع الشكر لك ولكل من يجبرنا علي التواصل مع هذا البلد بالكتابة او ببرنامج تليفزيوني سياسي كان ام فني . تقديري

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 4/14/2015 12:24:40 AM

بدات الحرب اللبنانية يوم قيل انها حرب شمعون منذ سبعة وخمسون سنة ولم تنته ولن تنته الا بغالب ومغلوب. لم اسمع بحرب انتهت بتعادل. ليس هناك تعادل في الحروب. هناك تجميد الحروب لوقت لاحق لاسباب متفاوتة منها استحواذ حالة حرب غب الطلب. على فكرة اسمك Morning Sun.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم