منذ اكثر من تسعة أشهر، جرى تسييج دالية- الروشة بالاسلاك. حينها، عمد بعض الناشطين والناشطات الى رسم مجسمات على هذه الاسلاك لأشخاص يتسلقونها ويجتازونها. لا تزال المجسمات مكانها، لم تعبر الأسلاك ولم تدفع أيا من سكان المدينة الى انتزاع حق العبور نحو الجزء الرئيسي من ذاكرة الناس وتاريخ المدينة والاملاك العامّة البحرية.
ربما، لأن المنطقة وُصمت، عمدا، بصيت منفر استطاع ان يهمّش الاستعمالات الاجتماعية لهذه المساحة العامة والمشتركة، وان يلغي المكانة الثقافية والاجتماعية والتراثية والتاريخية التي تحتلها. من هنا كانت «ألف دالية ودالية»، المسابقة التي اطلقتها «الحملة الأهلية للدفاع عن دالية الروشة»، امس، برعاية وزارة البيئة، لطرح رؤى مغايرة عن الاستثمار العقاري لاعادة تنظيم الدالية كمساحة اجتماعية عامة.
«نريد ان نظهر للراي العام ان الدالية تستطيع ان تكون مساحة عامة جامعة تعوّض عن المساحات المشتركة المفقودة في المدينة»، هكذا تعلّق الناشطة في الحملة منى حلّاق على المسابقة التي ترمي الى «تأكيد الهوية التاريخية للدالية عبر إعادة تعريفها كمساحة مشتركة مفتوحة ومتاحة للجميع»، اضافة الى «تعزيز الممارسات الاجتماعية المعهودة في الموقع»، و»ربط السياق المديني المحيط بالدالية».
الا أن هدف المسابقة الأبرز يتجلى بـ»إمكانية بناء مستقبل مديني غير إقصائي ومسؤول بيئيا ومتنوع اجتماعيا، وتشكيل قاعدة انطلاق لبلورة تحالفات مجتمعية جديدة وواسعة من أجل بناء مدن ملائمة لعيش أبنائها على اختلاف قدراتهم المالية وتنوع حاجاتهم واهتماماتهم».
تتوجه المسابقة بالدعوة لفرق من المهنيين والمهنيات المتعددي الاختصاص ولمواطنين ومواطنات معنيين «من أجل طرح رؤى مغايرة لإعادة تنظيم الدالية مكانيا وبرمجيا ومؤسسيا»، وذلك عبر رسم مستقبل حضري غير اقصائي مسؤول من الناحية البيئية ويسمح بالتعددية. التصورات التي سيتقدم بها المتسابقون ستُعرض ضمن معارض لـ»تصاميم وتصورات مقترحة لهذه المنطقة».
تنطلق هذه المبادرة، من جملة التحديات التي تواجه المنطقة، لعلّ التحدّي الأبرز يتمثل بـ»التحوّلات التي طرأت على الإطار القانوني للبناء على طول الساحل بغية السماح بالممارسات العمرانية الكثيفة التي تمهّد للخصخصة المرتقبة لهذه المنطقة». يؤكد احد الناشطين في الحملة «تمسّكهم بالمسار القانوني لاسترداد المساحات العامة ولحماية منطقة الدالية».
منذ نحو خمسة أشهر، تقدمت جمعيتا «نحن» و»الخط الاخضر» بمراجعة لدى مجلس شورى الدولة لابطال المرسوم الرقم 169 تاريخ 27/9/1989، المتعلّق بتعديل احكام المرسوم 4810 المتعلق باشغال الأملاك العامة البحرية وإلغاء بعض أحكام المرسوم الرقم 4918 المتعلّق بتنظيم المنطقة العاشرة في مدينة بيروت.
هذا المرسوم (169) يقضي بالتخلي عن أملاك عامة بلدية لأفراد دون مبرر، وبالتالي فان الطعن بالمرسوم يقضي، إذا قُبل، باستعادة الكثير من المساحات المستباحة في تلك المنطقة والمقدرة حاليا بملايين الدولارات. المفارقة تكمن في رد موقع لائحة الدولة في هذه الدعوى (الأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء سهيل البوجي) الذي عمد، بحسب «المفكرة القانونية»، الى تبرير الاعتداء الحاصل على الأملاك العامة «بل ايضا تبرير تجاوز كل الشروط القانونية لانجاز التخلي عن الأملاك العامة». من هنا كان السؤال الذي طرحته «الأخبار»: «كيف للحملة ان تعوّل على المسار القانوني في الدفاع عن قضيتها في الوقت الذي يكون فيه المعتدي هو نفسه المشرّع والمؤتمن على القانون؟».
يجيب بعض الناشطين في الحملة بالقول أن «للحملة العزيمة والإرادة الكافيتين لمنع استباحة الدالية والقضاء عليها عبر إقامة المنشآت الاستثمارية»، اضافة الى تأكيدهم أن «القانون الحالي، وبالرغم من كل التحايلات التي طرأت عليه لشرعنة أعمال البناء، يمنع القيام بالإنشاءات المطروحة والمزمع إنشاؤها في المنطقة».
«سنكون لهم بالمرصاد حتى لو اضطررنا الى النزول الى الشارع»، هكذا علقت احدى الناشطات بغضب على امكانية خسارة الدالية، وفي ظل الضغط الحاصل لجعل استباحة الدالية امرا واقعا يبدو «النزول الى الشارع» الحل الامثل لمواجهة الوحوش العقارية التي لم تبق لنا في هذه المدينة أي مساحة عامة ومشتركة.
في ختام النقاش، اعتلت الباحثة في كتابات الميتولوجيا نجاة نعيمة المنبر، وخلصت الى ان «أدونيس وعشتروت تزوجا في منطقة الدالية»، لتؤكد ان النصوص الميتولوجية تعطي الشرعية الأبدية للدالية، ولتقول «أن اي تلاعب بخصوصية المنطقة يمس بالأساطير التي لم تكن سوى حقيقة في ذاك الزمان».