على قدر التوقعات، كانت شهادة الرئيس فؤاد السنيورة أمس أمام المحكمة الدولية في لاهاي في قضية اغتيال صديقه الرئيس رفيق الحريري. بطلاقة وانسياب، استفاض في الإجابة عن أسئلة فريقي الادعاء، محوّلاً المسار إلى جملة تحليلات سياسية. أطلق الاتهامات يميناً وشمالاً، لكنه لم يجرؤ على التلفظ باسم حزب الله «ضمن لائحة المتورطين بدم الشهيد»، ولم يكرر من على منبر لاهاي ما يضرب به في لبنان. بدأ بعرض علاقته بالحريري حين كان تلميذاً في مرحلة الدراسة الابتدائية والثانوية، ثم توطدت في فترة الستينيات ضمن حركة القوميين العرب.
«لم أكن أسعى لأكون في منصب سياسي إلى أن عرض عليّ الحريري أن أكون وزيراً للمالية»، قال السنيورة. قبل عام 1992، التقى السنيورة بالحريري في سوريا حيث كان يطلعه على الجهود «التي يبذلها من أجل لبنان والتواصل الذي كان يقوم به مع الرئيس حافظ الأسد». بدءاً من عام 1997 «مرت العلاقة بين الحريري والنظام السوري بفترات توتر وتحسن. لكنها كانت تتعقد أكثر فأكثر بسبب التدخلات وعملية استتباع لبنان بشكل كامل». وإذ أقرّ بأن النظام السوري «كان يشرف على اختيار الوزراء»، صمد الحريري حتى عام 1997 «ليعبّر أمامه عن ضيقه وعدم تقبّله لفكرة فرض مجموعة من الوزراء عليه». لكن بالنسبة إلى شخصه «لم يسمع من الحريري أن ثمة اعتراضاً على وجودي كوزير في حكومة عام 1997».
انتقل الحديث من اغتيال الحريري إلى تفاصيل داخلية. شرح السنيورة كيف قدم النائب غازي يوسف إلى الحريري مقترحاً ترشيحه على لائحته رغم معارضة النظام الأمني السوري. أما ناصر قنديل فقد وضع على اللائحة الانتخابية لعام 2000 بطلب من هذا النظام، رغم غضب الحريري وضيقه. واتهم قنديل بأنه يأخذ تعليمات من السوري وينقل إليه أخبار الحريري. أما الرئيس إميل لحود فقد «عرقل» القيام بالإصلاحات التي نادى بها الحريري «كي يبقى لبنان مستتبعاً للنظام السوري الذي كانت لديه حساسية من نجاحاته الاقتصادية الخارجية، وكان يسعى لتشويه صورته لدى الناس».
على غرار زميله في الشهادة النائب باسم السبع، سئل السنيورة عن لقاء الحريري مع الرئيس بشار الأسد عام 2003. نقل السنيورة أن الحريري كلما تذكّر اللقاء «تجهم وظهر عليه الغضب وشعور عميق بالإهانة». فضفض الحريري لصديقه القديم، شاكياً الظلم السوري. عمق الإهانة جعله «يطرق باكياً على كتفي وقال لي: لن أنسى في حياتي الإهانة التي وجهها لي بشار الأسد. فقد بهدلني وشتمني وأهانني».
من حسن حظ هيئة المحكمة وفريق الدفاع والادعاء والمشاهدين على الهواء مباشرة، أن السنيورة لم يفرط في البكاء ولم تخنه دموعه في الحديث عن دموع الحريري. تماسك وأكمل هجومه على النظام السوري. «كان يلجأ إلى أسلوب التهديد والشتم والتهويل بنسب مختلفة مع السياسيين والمسؤولين اللبنانيين». بلغ الخلاف ذروته مع لحود «حتى بدأ الحريري يعدّ فيها الجلسات المتبقية من عهده. حتى المرونة لم تنفع مع لحود، لكن الحريري كان يأمل بالاحتكام الى الدستور والسير بأي رئيس آخر». بحسب السنيورة، علم الحريري أن الأسد لم يكن ثابتاً في التمديد للحود. ونقل السنيورة عن نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام تأكيده أن الأسد لن يسير بفكرة التمديد. لكن في اللقاء مع الأسد، تغيّر الأمر. قال الأسد على ذمة السنيورة «إما أن يسير بالتمديد للحود أو يكسر لبنان فوق رأسه». الحريري «وافق على التمديد بعد تبلغه من المخابرات السورية أنها ستجد لحوداً آخر». السنيورة حمّل النظام الأمني السوري اللبناني مسؤولية بث الشائعات التي طالت الحريري قبل استشهاده.
تشخص الأنظار إلى جلسة اليوم حين يتابع السنيورة الإدلاء بشهادته، علها تأتي بجديد يصل إلى مستوى المواقف العالية النبرة التي يطرحها في لبنان.
(الأخبار)