تأخذ الأفلام الوثائقية المشاركة من لبنان وسوريا وفلسطين الحصة الأكبر في «أيام بيروت» هذا العام، تربط بينها معاناة هذه البلدان الملتصقة ببعضها: حرب، احتلال، لجوء، هجرة، أحلام وحنين وعودة إلى الماضي. تطلّ حكايات فلسطينية جديدة عبر شخصيات تعيش الأثر البطيء والدائم للاحتلال. في «روشميا» (70 د) لسليم أبو جبل، نشاهد يوسف البالغ 80 سنة وزوجته اللذين يعيشان نكبة ثانية بعد قرار بلدية حيفا شق طريق في وادي روشميا، ما يعني هدم الكوخ الذي لجأ اليه يوسف عام 1948.
ويعود بنا عامر شوملي (فلسطين) وبول كاون الى الانتفاضة الأولى في «المطلوبون الـ18» (راجع مقال الزميل منذر جوابرة).
وفي «المجلس» (80 د) يرصد يحيى العبدالله مجلساً مصغراً ينظم العلاقات بين الطلاب والمعلم في إحدى مدارس الأونروا في الأردن. ومن الأردن أيضاً، تقدم ساندرا ماضي "ساكن" (90 د) عن صداقة بين ابراهيم المقاتل الفلسطيني الذي أصيب بعد سنتين على انضمامه للثورة الفلسطينية في لبنان عام 1980 وترك معركة التحرير، ومساعده وليد الشاب المصري الذي اتى الى الأردن بحثاً عن عمل. مع اللاجئين أيضاً، خرجت حكايا اليرموك قبل أن تتضح بعد أي نهاية لمأساته: يقدم رشيد مشهراوي في "رسائل من اليرموك" (59 د) رسائل حياة في مواجهة الموت، ويشارك الفرنسي ألكس سلفتوري-سينز بـ "شباب اليرموك" (78د)، الذي صوّر معظمه قبل الأحداث في سوريا عن أصدقاء يعيشون يومياتهم وأحلامهم التي تتجسد بالعودة الى فلسطين، لكنّ مجريات حياتهم ستتغيّر مع قدوم شهر آذار (مارس) 2011.

تقارب رين متري الطائفية في «لي قبور في هذه الأرض»

ومن سوريا أيضاً يهرب شبان فلسطينيون وسوريون الى السويد بطريقة غير شرعية عبر جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، فيلتقون بصحافي إيطالي وشاعر فلسطيني يساعدونهم في سفرهم بعد اختلاق زفاف كعذر لعبور الحدود. رحلة من إخراج خالد سليمان الناصري (فلسطين) وأنطونيو أوجوجليارو وغابرييل ديل غراندي (ايطاليا) بعنوان "أنا مع العروسة" (98 د). أفلام سوريا تستحضر حربها المستمرة، كأنها نافذة على ما يعيشه السوريون اليوم من دون ظهور أي ملامح لنهاية قريبة (راجع مقال الزميل علي وجيه). أما الأعمال اللبنانية المشاركة، فتتأمل اللحظة الراهنة والأوضاع السائدة في البلد وبجواره، كما تقارب التحولات مع عودة الى محطات ماضية للربط ومحاولة التحليل. هكذا يعود باسم فياض في "يوميات كلب طائر" (75) الى عام 1975 وصولاً الى عالم «داعش»، من خلال أربعة أجيال من عائلة وكلب في منزل في جبل لبنان. وتعود نادين نعوس من فرنسا الى منزلها في بيروت لتقف الى جانب والدها في محنته المادية، فيجرّ اللقاء أحاديث ويجرّ معه تاريخ البلاد وتحوّلاتها في "هوم سويت هوم" (59د). الذاكرة أيضاً تستحضرها رين متري في «لي قبور في هذه الأرض» (110 د) لتضيء على ما نعيشه اليوم من طائفية وكراهية وتطرّف بعد إثارة موضوع بيع الأراضي بين الطوائف.
في "ثمانية وعشرون ليلاً وبيت من الشعر" (105د)، يحلّل الفنان أكرم الزعتري العلاقة بين الصورة والمجتمع الذي يعمل على إنتاجها وحفظها من خلال أرشيف ودراسة لمصوّر الاستديو في منتصف القرن العشرين. وفي «مونومنتوم» (82 د)، يقارن فادي يني تورك بين زوال التماثيل التي تمثل الرموز السابقة التي حكمت البلاد العربية بينما تظهر تماثيل جديدة في لبنان تسهم في إبقاء الوضع على ما هو عليه. ويختار أحمد غصين في «المرحلة الرابعة» (37د) نسج علاقة بين الوهم والخرافة، بين عوالم السينما والسحر والمناظر الطبيعية في الجنوب اللبناني.
ويحتفي المهرجان بالتجربة العراقية ثلاثية الأبعاد "الأوديسا العراقية" (90د) يلملم فيها المخرج سمير صاحب فيلم "إنس بغداد" ذكريات عائلته التي قصد أفرادها في اميركا، وأوروبا وموسكو وبغداد ونيوزيلنده. ومن مصر يشارك فيلم "أم غايب" (85د) لنادين صليب عن يوميات امرأة لا تستطيع الإنجاب تعيش في مجتمع يضجّ بالخصوبة.