صنعاء | لم يجد عادل كرم سوى صورة النَهدين في أخبار اليمن الحزين كي يضمن تهييجاً لضحكات جمهور برنامجه «هيدا حكي» (الثلاثاء - 20:30) على قناة mtv. لم يلفت كرم في الأزمة اليمنية الخانقة، سوى مفردة «جبل النهدين» التي تكرّرت في الأخبار أخيراً إثر معارك بين قوّات الجيش اليمني وجماعة الحوثي حول ذلك الجبل المُطل على القصر الرئاسي. اشتغلت عقلية السوق في رأس صاحب البرنامج، ولم يجد غير الجنس وسيلة لجذب جمهوره وتسخينه.
كأنّ النكتة لا تنمو بغير هذا «السيكس» الظاهر كرِهَان لا يخسر أبداً في مواجهة جمهور مكبوت. لا يُنكر هنا وجود جبل على شكل نهدين يقع في منطقة تُطل على صنعاء من جهتها الجنوبية، وتأسست تسميته على لسان أهالي المدينة القدامى من باب السخرية، ولم يبتغوا منها إنتاجاً لإثارة أو تهييج. لكن المقدّم سلَخ تلك التسمية عن سياقها الطبيعي، ليَبني عليها حكيه «الساخر»، شارحاً الطريقة التي تمّ بها اقتحام «النَهدين»، والمصاعب في إنجاز المُهمّة، لتبدو العملية كأنها تمّت في غرفة نوم لا على أرض قتال.

بنى مزاج الجمهور على
أنقاض مواجهات سالت فيها دماء وسقط فيها قتلى
لم يضع كرم في باله وهو يستجدي ضحكات جمهوره متعمّداً استخدام أصابعه من أجل توضيح تضاريس النهدين إياهما، أنه يبني مزاج الجمهور على أنقاض مواجهات سالت فيها دماء وسقط فيها قتلى. كيف يمكن هنا تصنيع ضحكات وهيجان من مادة خَبرية أساسها موتى ودماء وأشلاء لم يتمّ التعرف على أصحابها إلى اليوم؟ كيف يمكن في السياق نفسه، عثورنا على تعريف محدّد يوضح لنا ذلك الفارق بين السخرية والتفاهة؟ وكيف نُصبح قادرين بعد كل هذا على وضع مسافة بين أن يكون المذيع «مهضوماً» أو ثقيل الدم؟
في سياق الحكي عن معركة «جبل النَهدين» اليمنيّ، لا يبدو كرم يتيماً وسط غابة برامج ودراما تحرص غالبية الشاشات اللبنانيّة على تضمينها في لائحة خططها البرامجية منذ انطلاق القنوات الفضائية. مواد يكاد موضوع الجسد أن يحتكر قوامها وأساس هيكلتها. بناء على هذا، لا استغراب في استقرار صورة لبنان في عقلية المتلقي العربي العادي على هيئة «ستار أكاديمي» كبير، أو مسلسل على هيئة «عشق النساء» يشارك في تنفيذه مجموع ساكني الأراضي اللبنانية. لا استغراب هنا أن يجد المشاهد نفسه على الدوام في مواجهة عُري متكرر لا معنى له في غالبية تلك الأعمال المُنتجة، ما يدفع إلى تأسيس فكرة في عقله تشي بوجود أزمة قماش ثابتة تعانيها بلاد الأرز. والحال هذه، سيبدو صعباً إقناع مشاهد يمني مثلاً بمسألة وجود فتيات مُحَجّبات في بيروت، في حين ما زال كثيرون على اعتقادهم بأنّ قناة «المنار» غير لبنانية. سيبدو صعباً إقناع ذلك المشاهد الذي لم يركب طائرة في حياته، أن بيروت ليست على الهيئة التي تظهر فيها على الشاشات اللبنانية، وأن شارع الحمراء ليس حانة أو كَباريه فقط، بل أيضاً مكتبة ومسرح ودار سينما ومعارض فنية. سيبدو صعباً إقناعه أن كلمة «صباح الخير» التي ربما يسمعها من شفاه فتاة لبنانيّة تسير في ذلك الشارع، لا تعني بالضرورة دعوة إلى الغرام.